أبدى السفير الأميركي لدى المملكة المتحدة لويس سوسمان ثقة واضحة بأن بلاده ألحقت بتنظيم «القاعدة» ضربات موجعة خلال السنوات العشر التي مرت على تنفيذ هجمات 11 أيلول (سبتمبر) 2001. لكنه، على رغم ذلك، شدد على أن «القاعدة» لم يتم القضاء عليها بعد وما زالت تشكّل تهديداً «يفترض بنا أن نتوخى الحيطة». وأضاف انه «بعد عشر سنوات فإننا نكرّم ونتذكر ضحايا 11 سبتمبر الذين ينتمون إلى 90 دولة. وقد نجحنا في جهودنا إلى حد بعيد، فقد كان الهدف من هجمات 11 سبتمبر إنزال الخوف والفوضى بمجتمعنا، ولكن ذلك لم ينجح». وقال إن «الوقت قد حان لكي يعرف الناس أننا فتحنا صفحة جديدة ونمضي قدماً للمستقبل». وأكد السفير سوسمان، في لقاء مع «الحياة» في مكتبه بمقر السفارة الأميركية في لندن، دعم بلاده ثورات «الربيع العربي»، رافضاً تهمة «النفاق» التي توجّه إلى حكومة بلاده كونها كانت تدعم أنظمة قمعية أطيحت في الثورات التي شهدها العالم العربي خلال الشهور الماضية. وبدا السفير حذراً في تبني وجهة نظر بعض المسؤولين الغربيين في شأن أن تنظيم «القاعدة» بات يواجه اليوم هزيمة وشيكة. فقد قال: «إننا نشعر أن تنظيم القاعدة تقلّص إلى حد كبير، وعلى وجه الخصوص نتيجة جهود حكومتنا للقضاء أو القبض على قادته». وأوضح أن «القضاء على أسامة بن لادن كان لحظة تاريخية بالنسبة إلينا. لقد تمكنا أيضاً من اعتقال أو القضاء على ثلثي القادة الرئيسيين في القاعدة. ولذلك فإن القاعدة - على رغم أنها ما زالت موجودة كتنظيم - إلا أن تمويلها قد تقلّص إلى حد كبير، وقيادتها باتت مبعثرة، وكل يوم جديد يمر نبدو أننا ننجح في القضاء على الشخص الثاني أو الثالث في هرمية التنظيم. ولكن على رغم ذلك، تنظيم القاعدة لم يُدمّر تماماً، وعلينا أن نكون متيقظين وواعين دوماً كي لا يتمكن هذا التطرّف من الظهور مجدداً كما فعل في 11 أيلول. ولدينا درجة عالية من الثقة أن التنظيم اليوم ليس بالقوة التي كان عليها من قبل». وأقر السفير سوسمان بأنه سيكون من الصعب القول في يوم من الأيام إن «القاعدة» قد «هُزمت» تماماً، خصوصاً بعدما تحوّلت إلى فروع منتشرة حول العالم. وقال: «كلمة هزيمة قوية جداً. أعتقد أن لدينا درجة عالية من الثقة أن جهود القاعدة حول العالم تتقلّص كلما واصلنا جهودنا لوقف عملياتها واعتقال قادتها ومنع وصول الإمدادات المالية إليها. ولكن عملنا الأهم هو من خلال التواصل مع المجتمعات (الإسلامية) لنُظهر أن ما تحاول القاعدة أن تقوم به ليس في مصلحة المسلمين في المقام الأول. وإذا لم يكن في استطاعتنا أن نحدد متى يمكننا أن نعلن نصراً كاملاً مئة في المئة، إلا أنني استطيع القول ومن دون أي تردد إننا حققنا تقدماً كبيراً في طريق تقليل قدرات القاعدة على إلحاق الأذية بنا. وأكثر من ذلك، يمكنني القول إن التطرف لا يستهدفنا وحدنا فقط بل يستهدف العالم بأسره». وأكد سوسمان أن سقوط أو تضعضع أنظمة عربية لم يؤثر جوهرياً في التعاون الذي كانت تحصل عليه أميركا في مجال مكافحة الإرهاب. لكنه زاد: «أن من الصعب تحديد كيف يمكن أن تتأثر جهود مكافحة الإرهاب (بتغيير أنظمة بعض الدول العربية). فنحن لا نعرف بعد ما هي الحكومات التي ستتولى السلطة في هذه البلدان. غير أننا حتى هذه اللحظة لم نشعر بأن التعاون معنا في مكافحة الإرهاب قد تراجع (عما كان عليه في عهد الحكومات السابقة)، ربما باستثناء اليمن. فقد كان لنا مع اليمن تعاون وثيق في مجال مكافحة الإرهاب، لكن الحكومة هناك تعاني تضعضعاً حالياً. ونحن نأمل بأن الحكومات التي ستأتي إلى السلطة في اليمن وغيره من البلدان العربية سترى خطر الإرهاب كما رأته الحكومة السابقة وستتعاون معنا للتخلص من تهديدات الإرهاب. ونعتقد اليوم أن هناك عدداً قليلاً من أفراد القاعدة ما زال في أفغانستان، في حين أن هناك أعداداً منهم في باكستان واليمن والصومال ومناطق أخرى». وشدد على «أن الربيع العربي قام لأن الناس شعروا بأنهم مهمشون اقتصادياً وسياسياً. والناس تتحدث الآن عن تشريع دساتير جديدة تنظّم حياتهم وعن إيجاد فرص عمل جديدة، وليس عن إرسال انتحاريين، كما تقول القاعدة. إن أكثر المتضررين من هجمات القاعدة كان المسلمون أنفسهم. فكيف يمكن فهم أن يدخل شخص يرتدي حزاماً ناسفاً ويفجّر نفسه في مسجد كما نرى في باكستان؟». وشدد السفير على «أن الثورة في مصر لم يكن للقاعدة أي علاقة بها. فالثورة لم تكن ثورة دينية أصلاً. كان الناس يشعرون بحرمان سياسي واقتصادي ونتيجة ذلك حصل «تسونامي» من الناس الذين قالوا إنه يكفيهم ما لقيوا من معاناة حتى الآن ويريدون مستقبلاً أفضل. ونحن نؤيدهم في ذلك». لكن سوسمان رفض اتهام بلاده ب «النفاق» في هذا الأمر، كونها كانت حتى سنوات قليلة مضت تدعم الأنظمة الاستبدادية التي تستهدفها ثورات «الربيع العربي». وشرح موقف بلاده بالقول: «لقد كانت في مصر حكومة وكان علينا أن نتعامل معها. وفي الواقع، كنا نشجّع دوماً حكومة (الرئيس المخلوع حسني) مبارك أن تعطي الشعب المصري حرية التعبير والتمثيل والفرص الاقتصادية. ربما لم ننجح في ذلك بشكل كاف، لكننا لم نشعر يوماً أننا تخلينا عن الشعوب، سواء في مصر وتونس وليبيا وغيرها». وأضاف: «من السهل القول إن حكومتنا تصرفت في السابق بطريقة توحي أننا منافقون في تصرفاتنا اليوم. لكن كان علينا التعامل مع الحكومات الموجودة، وقد دعمنا الثورات وقلنا بسرعة إن على مبارك الرحيل». وسُئل عن المخاوف في شأن سيطرة الإسلاميين على الأنظمة التي ستأتي بعد سقوط حسني مبارك وزين العابدين بن علي ومعمر القذافي، فأجاب: «لقد تمسّكنا دوماً بأن شعوب مصر وتونس وليبيا وكل البلدان هي من تقرر أي نوع من الحكومة تريد. إننا نشجع حكومات ديموقراطية علمانية، لكن شعب مصر هو من يقرر نوع حكومته وليس نحن. وهذا ينطبق على سائر البلدان. لكن يمكنني أن أقول إننا لن نكون سعيدين بالطبع في حال سعى أحد إلى إقامة حكومة (دينية) على غرار النموذج الإيراني. ولكن في حال سعى أحد إلى إقامة نظام على غرار النموذج التركي حيث هناك حكم علماني وقوانين تحدد دور الجيش، فهذا خيارهم ولسنا نحن من يقرر نيابة عن الشعوب». وعن الدور الذي يلعبه في ليبيا اليوم ناشطون إسلاميون سبق لحكومته أن سلّمتهم إلى القذافي قبل سنوات قليلة فقط، رد بالقول: «إن أميركا لا تقبل ولن تقبل أبداً ممارسة التعذيب. ومهما كان القرار الذي اتخذته أجهزة الاستخبارات الأميركية فقد جاء ضمن هذا الإطار (رفض تعذيب الذين يتم تسليمهم). لقد حصل ذلك في ذروة المخاوف التي تلت هجمات 11 سبتمبر وفي ظل مخاوف من وقوع عمليات إرهابية جديدة، وقد اتُخذت تلك القرارات آنذاك بهدف حماية أميركا». وعندما قيل له إن أميركا في وضع محرج الآن كون زعيم ثوار طرابلس، عبدالحكيم بلحاج، يتهمها بتعذيبه عام 2004 قبل تسليمه إلى القذافي، قال السفير سوسمان: «السيد بلحاج عبارة عن حالة فردية، وهو كان عضواً في الجماعة الإسلامية المقاتلة (التي تتهمها الولاياتالمتحدة بالارتباط بالقاعدة). إنه ليس زعيم الثورة في ليبيا. فالثورة قام بها الشعب الليبي الذي تدعمه الولاياتالمتحدة؟ ألم ندعم ثورة الشعب الليبي؟ ألم نقل إن على القذافي الرحيل؟ ألم نفرض عليه عقوبات ليرحل؟». وعن الوضع في سورية والمخاوف من أن سقوط نظام الرئيس بشار الأسد قد يؤدي إلى نزاع مذهبي سني - علوي، قال سوسمان: «موقفنا واضح: من حق السوريين الحصول على الحرية والحق في التعبير والتمثيل. هم يريدون رحيل النظام ونحن نؤيد ذلك. ولكن ليس لموقفنا بُعد ديني. فنحن لا نُفكّر في أي طائفة ستتولى الحكم في بلد من البلدان. نحن ندعم المبادئ التي تلتزم بها أميركا وندعم من يتصرف وفق هذه المبادئ. أنظر إلى السوريين الشجعان الذين يعبّرون عن رأيهم. إنهم ينزلون يومياً إلى الشوارع للاحتجاج وهم يعلمون أن هناك فرصة قوية أن يتم قتلهم. هذا يعبّر عن شجاعة كبيرة. لكن نحن لا ندعمهم انطلاقاً من اعتبارات دينية». وسئل عن مزاعم في شأن تقديم الاستخبارات الإيرانية دعماً للحكم السوري في قمع التظاهرات، فأجاب: «لا يمكنني أن أناقش ما اطلعت عليه من تقارير الاستخبارات. ولكن أعتقد أن من المعروف الآن على نطاق واسع إن إيران تقدّم كل أنواع الدعم، عسكرياً ومالياً، لحكم الأسد. لقد سمعت بتوفير قرض مالي للسوريين، وسمعت بأن الإيرانيين درّبوا السوريين على طريقة التحكم بالاحتجاجات».