مرَّ تنظيم القاعدة تقريباً بأربع ولادات. الولادة الأولى في 1988 في أفغانستان، والولادة الثانية حين نشطت وصار لها عمل حقيقي خطر على السفارات الأميركية عبر تفجير نيروبي ودار السلام في 1998، والولادة الثالثة في 11 سبتمبر، أما الولادة الرابعة فقد تحدثتُ عنها من قبل لكنها ولدت حقيقيةً في 11 سبتمبر 2012 وتحديداً باغتيال السفير الأميركي في ليبيا. الخبر الصاعقة للولايات المتحدة أنها ظنّت أن ليبيا ستكون حليفةً مطلقةً لها بعد الدعم الاستراتيجي لقوات الناتو من أجل القضاء على نظام القذافي. كانت تدرك أن هناك بعض الإسلاميين في النظام الليبي الانتقالي، لكنها ظنّت أنهم من الإسلاميين المعتدلين. وهذه مشكلة في فهم الولاياتالمتحدة للإسلاميين عموماً، فهي تريد أن تتصالح مع الإسلاميين لأنهم أصبحوا واقعاً، وكان الثمن تفجير السفارة واغتيال مأساوي للسفير. هذه الولادة الرابعة لتنظيم القاعدة جاءت مع الذكرى الحادية عشرة ل11 سبتمبر، والذي كان حدثاً مأساوياً أيضاً. لعبة القاعدة في أفريقيا كبيرة، فهي تتمكن من مالي والصومال وليبيا وفي سيناء بأفريقيا، ولا يوازي قوة القاعدة في أفريقيا إلا قوتها في اليمن. القاعدة ولدت من جديد، خبر صادم لكنه ضروري لأجل تحليله والحذر من مخاطره ومآسيه القادمة والتي ربما ستكون أكثر مأساويةً من أي وقتٍ مضى. علم تنظيم القاعدة رفع في السودان، ورفع في أيدي المتظاهرين ضد الفيلم المسيء لنبي الرحمة عليه الصلاة والسلام. اسم أسامة بن لادن يتردد على ألسنة المتظاهرين، لايوجد أي انتماء حقيقي لأي أيديولوجيا إلا للقاعدة حتى إن الإخوان المسلمين وبعد أن عقدوا عزمهم للمشاركة في المظاهرات في مصر تراجعوا وذلك بسبب خوفهم من الخسارة السياسية في حال وقوع كوارث في الشارع. كتبتُ منذ أن بدأ ما سمي ب"الربيع العربي" أن القاعدة تتحرك في الشقوق والجيوب المهملة، هذه هي طريقة القاعدة، الغريب أن الربيع العربي لم ينه القاعدة بل منحها قوة إضافية لأن الشباب الذين شاركوا في العمليات ضد نظام القذافي أصبحوا جاهزين قتالياً، ولا يستطيع أحد السيطرة عليهم حتى القادة العسكريون في ليبيا، شباب بعمر الزهور دُربوا بسرعة أيام الثورة الليبية من أجل الانقضاض على القذافي ثم وجدوا أنفسهم أقوياء وألفوا شكل الدماء والقتل وماتت قلوبهم، وجدت فيهم التنظيمات المسلحة قوة ضاربة وتصرف عليهم وتغدق لهم المال ويفعلون ما شاؤوا. أعدت القاعدة التجنيد من خلال هذه الثغرة العجيبة والتي لايمكن الصمت عليها عالمياً، وأمريكا ذاقت طعم التساهل مع الإسلاميين المسلحين، ها هي تتجرع مرارة مقتل سفيرها، والرسالة الآن واضحة، على أمريكا أن تعيد حساباتها في ليبيا وغير ليبيا، أن تعرف أن الصلح مع هكذا أناس مستحيل لأن المخالفة ستأتي ولو بغتة. كان لأوباما مواقف ذات طابع "حسن ظن" مع الحركات المسلحة، باستثناء مقتل أسامة بن لادن لم يقم بالشيء الكثير ضد القاعدة، على عكس الإدارات السابقة التي جعلت من محاربة الإرهاب أولوية لها، لحفظ الأمن القومي. أن يقتل سفير لأقوى قوة في العالم وبشكل كما شاهدناه يعني أن الأمور انفلتت وأصبحت الحكومات التي جاءت بعد الثورات بالكاد تدير قصور ساستها وبعض القواعد الأمنية. الانفلات هو سيد الموقف الآن. القاعدة ولدت من جديد ولادة رابعة، وهي إن ترك لها المجال لأن تقوى أكثر فإن الكرة ستعود وستعود من جديد بشكلٍ أقوى مما كانت عليه. آمل أن يناقَش هذا أمنياً وفكرياً وثقافياً وسياسياً أيضاً لحماية الدول الآمنة من أخطار القاعدة.