يعاني سعيد محمد وأسرته المكونة من زوجة وطفلين، عندما يخرجون من محطة مترو حلوان، قاصدين إحدى ضواحي المدينةجنوبالقاهرة. فالباعة الجائلون احتلوا تقريباً كل شبر في ميدان حلوان الرئيسي، وفرشوا بضاعتهم في انتظار الزبائن المحتملين، والأسرة باتت في مهب الريح بين أقدام المارة. يقول محمد: «هذا لم يكن يحدث أبداً في الماضي، حينما كانت قوات الأمن تزيل هذه الإشغالات وتنظم مرور السيارات، أما الآن فلا ترى شرطياً واحداً في النقطة التي كانت في الميدان، هذا شيء لا يحتمل». يضيف المهندس في شركة مقاولات (34 سنة): «قوات الشرطة العسكرية أخلت ميدان حلوان قبل شهر تقريباً، في حملة استهدفت إزالة التعديات، وبعد انتهاء الحملة بنحو يومين عاد هؤلاء الباعة، مصطحبين بلطجية لحمايتهم، وتعدّوا حتى على حرم مترو الأنفاق حيث يفرشون بضائعهم داخله، ونحن نستغيث بالسلطات». يفرش الباعة الجائلون بضائعهم في معظم ميادين القاهرة، وقرب محطات المترو. وينشط هؤلاء الباعة حتى في «ميدان التحرير»، أكبر ميادين العاصمة المصرية، حيث تنتشر قوات من الجيش والشرطة بصفة منتظمة منذ إخلاء الميدان من المعتصمين مطلع شهر رمضان. تقول أم سماح، وهي بائعة شهيرة في ميدان التحرير لبضائع لا يتعدى ثمن القطعة منها جنيهين اثنين (أي أقل من نصف دولار أميركي): «ندعو لهم ليل نهار لأنهم تركونا نسعى لرزقنا ورزق أولادنا». وتضيف الأرملة الخمسينية أنها لا تظن أن الأمر سيستمر على هذه الحال، وأنها سمعت وزملاءها، أن «الحكومة» لن تترك الباعة الجائلين يفعلون ما يفعلونه، لكنها تأمل بأن ينظر هؤلاء بعين الرحمة إليهم، لأن لا مداخيل يمكنهم تأمينها لعائلاتهم سوى عبر هذه الطريقة. وعلى «نصبة» شاي وقهوة، يقدم أحد البائعة الشاي بانتظام لمجندي الأمن المركزي والضباط المتمركزين في الميدان، وهو يعتبر أن عمله مهم للغاية، فمن أين سيحصل هؤلاء على الماء المثلج والمشروبات، في ظل شح المقاهي في «ميدان التحرير» وارتفاع أسعارها التي لا يقوى على مضاهاتها هؤلاء العسكر المساكين؟ ثم إن زبائنه لا يستطيعون أن يبارحوا أماكنهم أبداً. وعلى رصيف مجاور، تعرض بائعتان صينيتان هواتف نقالة حديثة تقل أسعارها عن تلك المعروضة في المحال الكبرى، وهما بالكاد تتحدثان العربية لتشرحا ميزات كل هاتف معروض وسعره. يقول حازم محمود (محامٍ): «الباعة الجائلون أصبحوا كابوساً للمارة وللسيارات، فإذا قررت المرور بسيارتك في ميدان حلوان ستضيع حوالى نصف ساعة من وقتك، فبضائع هؤلاء ضيّقت الشارع إلى درجة أنه لم يعد يتّسع للمارة والمشاة، فما بالك بسيارة؟». يضيف: «اللغز في شرطة المرافق... أين هذه الشرطة؟ هل يعقل أنها تضررت من الثورة؟ هل يعقل ألا تقوم بعملها في إزالة هذه التعديات؟ ناهيك باختفاء شرطة المرور تماماً من الميادين الرئيسة. نحن لا نريد قطع أرزاق أحد، لكن لا يجوز أن يتحمل الجميع وزر هذه الظاهرة وتصاب الحركة اليومية في الشوارع بالشلل جراء هذه الممارسات». وفي إذاعات مترو الأنفاق، يُحذّر من التعامل مع الباعة الجائلين أو التعاطف مع المتسولين. لكن هؤلاء يجدون، في أكثر وسائل المواصلات استخداماً في القاهرة الكبرى، المكان «الأفضل» لعرض بضائعهم، ويعقد الركاب معهم صفقات رابحة، من قلم الرصاص التايواني الذي لا ينكسر، حتى ولاعات السجائر الصينية. ولا تلتفت حنان محمود (مدرّسة) إلى نصائح الهيئة التابعة لوزارة النقل المصرية بعدم التعامل مع الباعة الجائلين، فقد تجد صفقة رابحة كالقلم التايواني، وترى أن هؤلاء الباعة محقّون في البحث عن أرزاقهم بأي طريقة، لكنها تأمل بشوارع بلا ازدحام خانق، وميادين رحبة، لأن التنزه فيها مع أطفالها بات بمثابة مغامرة.