عادت البسمة أخيرا لتعتلي وجه محمد مصطفى، 22 عاما، صاحب متجر للحقائب في قلب ميدان التحرير بالقاهرة بعد عشرين شهرا من الغياب، وذلك بعدما قررت السلطات المصرية تحرير الميدان من الخارجين على القانون والباعة الجائلين الذين سيطروا عليه شهوراً طويلة بعدما غادره شباب الثورة. وخلال العشرين شهرا الماضية، تحول ميدان التحرير من رمز للثورة المصرية يبهر العالم إلى مرتع ل»البلطجية» والباعة الجائلين ما أعطى كثيرين زاروه مؤخرا انطباعا سيئا للغاية عن الميدان والثورة المصرية. وقبل يومين، وعد رئيس الحكومة المصرية الدكتور هشام قنديل بتنفيذ خطة حضارية لتطوير ميدان التحرير ووضعه في مكانه الحقيقي كرمز للثورة والحرية في العالم أجمع. واقتحمت قوات الأمن المصرية صباح السبت الماضي ميدان التحرير لتخليه من عشرات الباعة الجائلين و»البلطجية» الذين نصبوا خيامهم وسطه وسيطروا على المشهد خلال الفترة الماضية، وهو ما علق عليه بائع الحقائب مصطفى، في حديثه ل «الشرق»، قائلا «البلطجية كانوا يتعرضون لنا ويمنعوننا من أداء عملنا». واضطر مصطفى مرات عدة لغلق متجره، الذي يواجه قلب ميدان التحرير بسبب نوم البلطجية في مدخله وعدم قدرته على إيقاظهم خشية تعرضهم له. «لقد أوقفوا حالنا لشهور»، قالها مصطفى قبل أن يستكمل تنظيف باحة متجره التي تحولت طيلة شهور إلى مقهى صغير لمجموعة من البلطجية. وتعرض كثير من المواطنين للسرقة بالإكراه في ميدان التحرير حيث كان البلطجية يوقفون المارة بقوة السلاح لسرقة متعلقاتهم الشخصية. لكن وجود البلطجية في الميدان كان أكثر ضررا على محمد يوسف، 19 عاما، عامل بمتجر في الميدان، الذي قال ل «الشرق»: «إنه أصيب بطلقات الخرطوش وتعرض للضرب عدة مرات أثناء اقتحام الأمن للتحرير»، وأضاف يوسف، الذي قال إنه شارك بالثورة منذ يومها الأول، «متفائل بما قامت به الحكومة جدا، لقد شوه البلطجية رمز الثورة». وفي محاولة لمنع عودة البلطجية مرة أخرى إلى التحرير، تمركزت سيارات الأمن المركزي وعدة مدرعات في كل مداخله، كما ظهرت الشرطة المصرية ورجال المرور بكثافة في شوارع الميدان وحول صينيته المشهورة التي أفقدها العنف خضارها المعهود. من جانبه، قال مدير شرطة مرافق القاهرة، اللواء إسماعيل عز الدين، ل «الشرق»: «كل الأجهزة المعنية تتعاون من أجل إنجاح خطة تطوير ميدان التحرير»، مضيفا، بينما كان يتابع عمل ضباط قوته في استعادة الأمن، «لن نسمح للباعة الجائلين بالعودة مرة أخرى إلى الميدان». وتفاعل المواطنون بحيوية وحماس مع عملية «تحرير» الميدان وساهم الكثير من أصحاب المتاجر في العملية، ما دفع اللواء عز الدين للقول أثناء تلقيه التحية من مواطنين فرحين بالوجود الأمني «الناس متقبلة الأمر وبالتالي تساند الأجهزة الأمنية في تطهير الميدان». وبدأ رجال هيئة النظافة والتجميل بالقاهرة مساء الأحد الماضي بإعادة زرع الحشائش والزهور بالحديقة التي تتوسط الميدان، بالإضافة لإعادة تركيب الأرصفة التي تكسرت أثناء أحداث العنف المتعاقبة التي شهدها الميدان، وقام آخرون بإعادة طلاء الشوارع بالعلامات والأسهم المرورية البيضاء. ومنذ الثورة، طُرِحَت عدة أفكار لتخليد ميدان التحرير في الذاكرة المصرية لكن الحكومات المتعاقبة لم تنفذ شيئاً ما سمح ل»البلطجية» بالسيطرة عليه وإخراجه من سلطة الدولة. ومؤخرا، أشار رئيس الحكومة إلى أنه سيقام نصب تذكاري وجدارية داخل الميدان لتخليد شهداء الثورة بالإضافة إلى تخصيص مكان حتى يتمكن المواطنون من التجمع وتبادل الحوارات والنقاش في الأمور العامة، وتخصيص مكان آخر لإبراز الفنون والأغاني واللوحات الفنية المرتبطة بالثورة. وبينما وقف يشاهد تركيب العمال لمصابيح جديدة في أعمدة الكهرباء المظلمة، قال محمد عبدالمنعم، 26 عاما، وأحد سكان منطقة وسط البلد، «عندما سمعت أن الشرطة حرّرت «التحرير» نزلت للاحتفال»، وتابع عبدالمنعم ل»الشرق»: «أنا هنا في «التحرير» لأول مرة منذ الثورة، لقد حرمنا «البلطجية» من المرور به». رجال شرطة يرفعون مخلفات من «التحرير» (رويترز)