نيامي، دكار - رويترز - ستكبد استضافة الزعيم الليبي المخلوع معمر القذافي في المنفى أي دولة أفريقية على الحدود الجنوبية لليبيا تغامر باستضافته خسائر فادحة، إذ ستواجه على الأرجح رد فعل ديبلوماسياً واقتصادياً عنيفاً من الغرب وحكام ليبيا الجدد. وتفوق هذه المجازفة في ما يبدو ما تبقى من إعجاب في المنطقة بزعيم أغدق العطايا على جيرانه وكان صوتاً رئيسياً في الحركة المناهضة للاستعمار بينما كان يزعج دولاً كثيرة بتدخله المتكرر في شؤونها. وقال توم كارغيل من مؤسسة «تشاتام هاوس» البحثية ومقرها لندن: «لا توجد ميزة تعود على أحد باستضافة القذافي. أنا غير مقتنع بفكرة أن التأييد الشعبي للقذافي سيجبر أياً من هذه الحكومات على هذا». وأثار وصول قائد كتائب القذافي منصور الضو إلى النيجر هذا الأسبوع والتقارير عن وصول قافلة مركبات تقل قوات موالية للقذافي إلى شمال البلاد تكهنات باحتمال وجود صفقة محتملة للجوء الزعيم الليبي السابق. ونفت النيجر يوم الأربعاء وجود القذافي في أراضيها وقالت إن التقارير الأولية التي أفادت بأن القافلة التي كانت في صحرائها الشمالية ضمت أكثر من 200 مركبة مبالغ فيها. وأضافت أنها سمحت للضو بالدخول «لأسباب إنسانية». ومع مطالبة بريطانيا وفرنسا بأن يمثل القذافي أمام العدالة سواء في بلاده أو أمام المحكمة الجنائية الدولية سارعت بوركينا فاسو إلى التهوين من أهمية عرض سابق باستضافته قائلة إنها لم تتلق طلباً بهذا الخصوص من الزعيم المخلوع. وتعهد القذافي مراراً بأنه لن يترك ليبيا وقال رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي جان بينغ للإذاعة الفرنسية الخميس انه في حين حدد الاتحاد خيارات عدة للمنفى «فإنه (القذافي) لا يريد الرحيل». وفي نهاية المطاف ربما تكون هذه أفضل نتيجة لدول مثل النيجر وبوركينا فاسو ومالي وتشاد والتي كان يمكن أن يخسر أي منها الكثير إذا استقبلت القذافي. وقال الان انتيل من مؤسسة «أي أف آر أي» البحثية ومقرها باريس «هذه الدول واقعة تحت ضغط دولي هائل ولديها اتفاقات تعاون أو دفاع مع أوروبا ستكون معرضة للخطر». وأضاف: «على رغم التعاطف الذي لا يزال قائماً إلى حد ما محلياً فإن هناك تقديراً شديداً في منطقة الساحل وغيرها لميزان القوى». وفي حين أغضب القذافي الكثير من الأفارقة على مدى سنوات بجهوده لممارسة نفوذ من تشاد المجاورة الى ليبيريا وسيراليون فإن بعض الأفارقة محبطون في ما يبدو من عدم التوصل الى عرض باللجوء. ويقول ادوارد زيدا الطالب في واغادوغو عاصمة بوركينا فاسو: «يجب أن يخجل الزعماء الأفارقة من أنفسهم... الغرب يشعر بعداء تجاه القذافي لأنه وقف في وجهه. يجب أن يكونوا (الزعماء الأفارقة) مستعدين للترحيب به لكنهم خائفون». غير أن انتيل وآخرين يرون أن الزعماء سيخلصون على الأرجح إلى أن مصلحتهم هي في إقامة علاقات جيدة مع زعماء ليبيا الجدد وأنصارهم الغربيين. ولدى مالي أسباب قوية لتهتم بالحفاظ على علاقات ودية مع حكام ليبيا الجدد مثل الحفاظ على الاستثمارات الليبية القائمة في قطاعات الزراعة والعقارات وقطاع توزيع الطاقة. وتتعرض استثمارات مشابهة للخطر في بوركينا فاسو حيث يوجد مركز تجاري كبير ومصرف وفندق مهم في العاصمة واغادوغو بأموال ليبية. وإذا وُضعت المصالح التجارية جانباً فإن التداعيات الأمنية لبقاء القذافي بالمنطقة قد تخيف كثيرين. وفي حين أن جبال اير في شمال النيجر الصحراوي مكان محتمل لاختباء القذافي فإن احتمال رؤيته هناك مع أبناء قبائل الطوارق الذين كان يساند تمردهم ضد الحكومة حتى وقت قريب لن يسعد المسؤولين في العاصمة نيامي. وعلاوة على ذلك تحرص النيجر على تفادي عودة الآلاف من الطوارق الى أراضيها بعد أن كانوا يعملون لسنوات في جيش القذافي. وقال أحد قادة الطوارق ل «رويترز» هذا الأسبوع إنه يقدر أنه عند بدء الصراع في ليبيا كان هناك نحو 16 ألفاً من الطوارق من غير الليبيين في قوات القذافي. وحتى تتجنب النيجر عودة جماعية للطوارق المسلحين الى أراضيها سيكون عليها أن تضمن مصالحة بينهم وبين المجلس الوطني الانتقالي الليبي المقرر أن يزور ممثلوه نيامي في الأيام المقبلة. لكن من السابق لأوانه استبعاد حدوث المزيد من التغيرات في المشهد مع تفكك علاقات القذافي الممتدة منذ 40 عاماً بالمنطقة تدريجاً. ولم يتضح بعد كيف تعتزم النيجر التعامل مع الضو قائد كتائب القذافي. وقالت مصادر أمنية في النيجر ل «رويترز» أمس الجمعة إن مجموعة جديدة من مسؤولي الزعيم الليبي المخلوع تتألف من 14 شخصاً بينهم اللواء علي خانا الذي ينتمي إلى قبائل الطوارق وكان من المقربين للقذافي والمسؤول عن قواته الجنوبية موجودة في مدينة أغاديز في شمال النيجر. وقال وزير عدل النيجر مارو أحمد يوم الأربعاء إن وصول المزيد من المقربين لحكومة القذافي لا يمكن استبعاده. وقال إسماعيل علي نائب رئيس لجنة الشؤون الخارجية بالجمعية الوطنية بالنيجر ل «رويترز» أول من أمس: «لا أعتقد أن من المفيد الضغط على النيجر... عليهم (القوى الدولية) أن يعطونا الفرصة لحل المسألة بطريقتنا».