في تقديمه لكتاب «المثال والشاهد» في كتب النحويين والمعجميين العرب، يقول البروفسور حسن حمزة إنه لم يحظ كلٌّ من المثال والشاهد بما يستحقان من الاهتمام، فليس فيهما إلاّ عدد محدود من الدراسات، ولا سيما في مجال الدراسات العربية. ذلك أن المثال والشاهد هما عنصران هامشيان عند النحوي وعند صانع المعجم. أمّا عمل النحوي فهو يتحقق باستخراج قواعد الأنظمة اللغوية من البنى اللغوية ذاتها التي يعاينها. وصانع المعجم، يجعل دلالة الوحدات المعجمية نصب عينيه وفي صلب اهتمامه، فيهتم بتعريفاتها وبالعلاقات الدلالية التي تربط في ما بينها من ترادف وتضاد. ولذلك تصبح اللغة مطلوبة بذاتها من النحوي ومن المعجمي، على أنها مؤسسة اجتماعية، أو على أنها نظام اجتماعي، تشترك فيه الجماعة اللغوية كلها. فهي إنجاز المجتمع لا إنجاز الأفراد. والكتاب الذي يقدمه حسن حمزة والذي اشترك في إخراجه وتنسيقه مع الدكتور بسام بركة، نقع فيه على أربعة عشر بحثاً قدمت كلها في الندوة التي عقدت في مدينة ليون الفرنسية يومي 29 – 30 أيلول (سبتمبر) 2005، بعنوان: «المثال والشاهد في كتب النحويين والمعجميين العرب». وقد نظمها مركز البحث في اللسانيات العربية بإشراف حمزة، مدير المركز بمشاركة مركز البحث في المصطلح والترجمة في جامعة ليون- 2 ومركز البحث: «مفردات العربية بين المعجم والقاموس» في كلية الآداب في جامعة منوبة في تونس الذي يشرف عليه الدكتور إبراهيم مراد. وقد شارك في المؤتمر باحثون من فرنساوتونس ولبنان والمغرب وفلسطين والسنغال. يضم الكتاب أحد عشر بحثاً بالعربية وثلاثة أبحاث بالفرنسية. وجعلت المقالات المكتوبة بالفرنسية في محور خاص. أما مقالات العربية فقد جعلت في ثلاثة محاور. في المحور الأول نجد: «المسائل النظرية المتعلقة بالمثال والشاهد في التراث النحوي واللغوي العربي». ويختص المحور الثاني ب «المعاجم العربية القديمة والحديثة الأحادية والثنائية اللغة». أما المحور الثالث فيضم «المثال والشاهد في التراث النحوي العربي». ويتحدث حسن حمزة في المحور الأول عن «انقلاب الأدوار بين الشاهد والمثال في التراث العربي النحوي واللغوي، حيث يرى خروج علماء العربية عن القيود التي فرضت على لغة الاحتجاج، عندما احتاجوا إلى «شاهد لغوي»، فجعلوا «المثال» شاهداً يقوم مقامه، وجعلوا الشاهد مثالاً يعامل معاملته. وبذلك ضعفت الحجة في التعقيد وفي الوصف اللغوي. أما الدكتور إبراهيم مراد، فقد بدا متابعاً في دراسة قيود رسم معايير الفصاحة عند علماء العربية القدامى. وقد نظر في الشواهد التي يحتج بها الخليل بن أحمد في كتاب العين. فبدا له أنه أكثر انفتاحاً من جميع من أتى بعده. إذ اعتبر أقوال أهل الحضر في اليمن والعراق والشام حجة في معجم «العين»، تماماً كما أقوال أهل البادية. وحاول الدكتور رياض قاسم الموازنة بين موقف النحويين وموقف اللغويين من الشاهد، فوجده غير واحدٍ. فالنحويون يتوقفون عند أواخر القرن الثاني الهجري في الاحتجاج، بينما أصحاب المعاجم، لا يقيمون وزناً للزمان في استشهادهم، كما نرى في أساس البلاغة للزمخشري، ومن أخذ عنه من المحدثين كالوسيط والأساسي. ونظرت زكية السايح دحماني في أساس البلاغة أيضاً من جهة: مثاله وشاهده ومتوارده ومتلازمه، وفي درجة اعتماد كل واحد منها. فوجدت الدور الهامشي للنثر والدور المحوري للشعر في المعجم، من دون أن تجد تمييزاً واضحاً بين التعريف والشاهد فيه. ويتناول عبدالغني أبو العزم في البحث الأول من المحور الثاني المخصص لدراسة المثال والشاهد، العلاقة بين المثال والتعريف في المعجم العربي، وخصائص الشاهد ومميزاته، وموقع الشاهد فيه من خلال تطوره التاريخي. وقد بينت تراجع دور الشاهد الشعري في المعاجم المعاصرة عنها في المعجم القديم. وقد درس علاقة التعريف بالشاهد وبيّن أهمية التقارب بينهما. كذلك عمد هلال بن حسين في هذا المحور الى دراسة مسألة حذف الشواهد من القاموس المحيط، ويقارن ذلك بما قامت به الأكاديمية الفرنسية في معجمها حين حذفت الشواهد، ولجأت إلى أمثلة مخترعة في زمانها. ونظرت الدراسة في مسألة التمييز بين الأمثلة والمداخيل الفرعية في المعجم. وتوقفت عند المعجم الحديث وكيفية تقديمه الأمثلة والشواهد. وكذلك في تبيان الطرائق المتبعة لدى صناع المعاجم في تقديم الأمثلة والشواهد. وبرزت دراسة الحبيب النصراوي عن: «وظيفة الشاهد في القاموس العربي الحديث، من خلال المعجم الوسيط والمعجم الأساسي. وقد وجد تذبذب المعجمين في عرضهما للشواهد. كذلك تحدث عن وظائف الشاهد: اللغوية والبلاغية والثقافية والإيديولوجية. وقال إن المعجميين لا يوليان «الشاهد» مفهوماً واضحاً، باستثناء بعدين ظاهرين هما البعد التوثيقي والبعد الثقافي. وجاءت دراسة محمد شندول في خواتيم المحور الثاني تحت عنوان: «الشاهد النموذج في المعجم العربي المعاصر»، بحيث قارن بين المعجم القديم والمعجم المعاصر. وبيّن أن المعجم القديم ينسب «الشاهد القديم» إلى صاحبه، بينما لا نجد ذلك في المعجم المعاصر. أما المحور الثالث المخصص ل «المثال والشاهد» في كتب النحويين العرب القدامى، فقد استهله رمزي بعلبكي بدراسة: «تطور الأسس النظرية لاستخدام المثال والشاهد في النحو العربي». ويتحدث البعلبكي عن الأمثلة المصنوعة الملفقة والأمثلة التي وضعت على سبيل آخر من القياس لا يلتفت إلى كلام العرب. ويقول البعلبكي إنه لاحظ في كتاب سيبويه علاقة وثيقة بين «المثال والشاهد»، لم تستمر في ما بعد. وفي هذا المحور أيضاً دراسة أحمد التيجاني جالو بعنوان: «الشاهد النحوي المخالف للأصول» وكيفية تخريج النحويين العرب القدامى للقراءات القرآنية المخالفة للقواعد النحوية التي وضعوها. كذلك نجد في المحور نفسه دراسة مهدي عرار: «بنية الشواهد المشكلة الإعراب». وهو يقوم بدراسة مختلف الوسائل الصوتية أو الصرفية أو النحوية أو الدلالية لدى النحوي في الوصول إلى بنية ملتبسة. في القسم الفرنسي، ثلاثة أبحاث: 1- جورجين ايوب: «الشاهد النموذج في ابيات كتاب سيبويه». 2- بسام بركة: المتوارد والمتصاحب (دراسة مقارنة) معتمداً على لسان العرب ومعجم روبير الإلكتروني الصغير الفرنسي، مختاراً مدخل «الحصان»، في لسان العرب، والمدخل المقابل له في المعجم الفرنسي. 3- ميشال لوغوازن: «نيكولا بوزيه واستشهاده بالنحويين السابقين في كتبه» وهو من القرن الثامن عشر الميلادي. وفي الكتاب ما يفتح الآمال وينعشها للبحث في جوانب أخرى من الدراسات اللغوية.