يبدو أن التحركات الطالبية التي شهدتها مدينة مونتريال في نهاية شهر أيار (مايو) الفائت احتجاجاً على زيادة الرسوم الجامعية وما رافقها من أعمال عنف واعتقال، لم تنتهِ فصولها بعد. فالطلاب يصرون من جهة على إلغاء تلك الرسوم التي فرضها وزير المالية في حكومة كيبك ريمون باشون، ومن جهة أخرى على مقاضاة شرطة مونتريال لانتهاكها حقوق الإنسان. ويتوقع الطلاب أن تتزامن العودة إلى الصفوف مع خريف ساخن على جبهتين حكومية وأمنية، قد تؤديان إلى تداعيات تعليمية واجتماعية واقتصادية وسياسية. وكان باشون أعلن أن موازنته الأخيرة قضت برفع الرسوم المدرسية 325 دولاراً في السنة لمدة خمسة أعوام. وبذلك ترتفع الأقساط السنوية من 2700 إلى 4700 دولار بحلول عام 2016 ما يرتب أعباء إضافية وديوناً على شريحة واسعة من الطلاب قد لا تستطيع تسديدها الأمر الذي يجعل البعض يقف أمام معادلة صعبة هي التوفيق بين الدراسة والعمل. وفي هذا الإطار، أجرى مصرف «تي دي» الائتماني استطلاعاً شمل 1000 طالب تراوح أعمارهم بين 18 و24 سنة، أظهر أن 51 في المئة من طلاب كيبك لا يمكنهم استكمال تحصيلهم الجامعي إلا بواسطة القروض الحكومية. وهؤلاء يشعرون بالقلق الشديد حيال تسديدها في شكل منتظم. ويشير الاستطلاع إلى أن طالباً واحداً من خمسة يتراكم عليه دين يصل إلى 48 ألف دولار لحين انتهاء دراسته. وفي استطلاع آخر شمل 1700 طالب وطالبة حول ساعات العمل التي يقومون بها خلال السنة الدراسية، تبين أن 27 في المئة يعملون بدوام جزئي وبمعدل 20 ساعة عمل أسبوعياً و69 في المئة بمعدل 11 ساعة، فيما 45 في المئة يحصلون كمعدل وسطي على 6300 دولار في السنة أي ما يقارب 500 دولار في الشهر. وأكد الاستطلاع أن مداخيل الطلاب تنفق كالآتي: 45 في المئة على وسائل النقل، و15 في المئة على الوجبات اليومية من الطعام، و13 في المئة على خدمة وسائل الاتصال الحديثة كالخليوي والإنترنت. هذه النفقات الضرورية ترهق كاهل الطلاب وتهدد بانقطاعهم عن الدراسة أو بفشلهم في الامتحانات النهائية واضطرارهم للعمل في قطاعات متواضعة ومطالبتهم بساعات إضافية من قبل أرباب العمل وتهديدهم بالصرف إذا تمنّعوا. وإزاء هذه التحديات التي تواجه حاضر التعليم ومستقبله، يبدو أن الطلاب عازمون على تصعيد حركتهم المطلبية هذا الخريف وزيادة الضغوط على مختلف الكليات والجامعات لدفع الحكومة إلى إلغاء الرسوم المدرسية. وأعلن اتحاد كليات كيبك واتحاد طلاب جامعة كيبك تكثيف الإجراءات والاتصالات والتحضيرات اللوجيستية والقيام بجولات على مختلف الهيئات الطالبية في الجامعات بهدف التحضير لتظاهرة حاشدة في مونتريال. ويحذر الطلاب من أنهم سيلجأون إلى تصعيد سقف المطالب وتحويلها إلى ما يشبه «الثورة» بدءاً من النزول إلى الشارع والتحرك السلمي الديموقراطي والاعتصامات وتوسيع نطاق الإضراب إلى النقابات العاملية والمهنية، ثم الذهاب إلى أبعد ذلك كالمطالبة بجعل التعليم بمراحله كافة مجانياً وإحداث تعديلات تربوية جذرية. ويرى الطلاب أن تعنت الحكومة يرغم الطلاب على مغادرة الجامعات ويدفع بهم إلى البطالة أو يرسلهم إلى أفغانستان خدمة للحلف الأطلسي أو يجعلهم وقوداً للإرهابيين. وتعود هذه المواجهة إلى احتكاك الطلاب مع شرطة مونتريال إبان اقتحامهم مكتبَ وزير المالية باشون وتعرضهم لحملة قمع واعتقالات طاولت أربعة منهم ينتمون إلى أحد الأحزاب المناهضة للرأسمالية. وقامت بتلك الاعتداءات فرقة من شرطة مونتريال أنشئت حديثاً تسمى «غاما» Gamma بهدف «مكافحة الشغب والجريمة المنظمة». ووصف الطلاب التعامل معهم بأنه عمل «وحشي وقمعي وعنصري». وجوبه هذا الأسلوب باستنكار شديد وتنديد واسع في الأوساط الأكاديمية والحزبية والسياسية ولجنة حقوق الإنسان ومنظمات المجتمع المدني كما عقد الطلاب مؤتمراً صحافياً أعلنوا فيه رفضهم إنشاء فرقة «غاما» واعتبروها مخالفة لنص المادة العاشرة من شرعة حقوق الإنسان والحريات الكيبكية المناهضة لأي تمييز عنصري يستند إلى الآراء والمعتقدات السياسية. وتقدم الطلاب بشكوى إلى لجنة حقوق الإنسان التي أدانت قمعهم والتوقيفات الاعتباطية لبعض قادة الحركة الطالبية ورفضت ادعاءات «غاما» واتهاماتها لزعماء الحركة الاحتجاجية بأنهم فوضويون ومتطرفون. وطالبت اللجنة الحقوقية بإلغاء «غاما» خشية أن تصبح «ميليشيا» مهمتها كم الأفواه ورصد التحركات المطلبية والتعدي على الحريات الشخصية والفكرية التي لا علاقة لها بالجريمة وانتهاج سياسة عنصرية تجعل من ألوان الثياب أو الأعلام التي يحملها المتظاهرون أو الأشخاص الملونون مبرراً لاتهام المواطن الكندي.