لم يكن الشاب اللبنانيّ عمر ن. (23 سنة) يتصوّر يوماً أنّه يمكن أن يجد نفسه مُلقى في السجن بتهمة السرقة. فهو كان يحلم باليوم الذي يكبر فيه ويدخل الجامعة ليصير مهندساً معمارياً، إلا أنّ «الأيام عاكسته» على حدّ قوله. فحين بدأت ملامح مرض السرطان تظهر على والدة عمر، لم يكن يبلغ بعد العشرين من عمره فوجد نفسه وحيداً بعد وفاة والده، ولم تسفر جهوده في البحث عن وظيفة تكفيه وتسدّ حاجات أمّه للأدوية عن أي نتيجة إيجابية. في هذه الفترة، بدأ عمر يخالط شلّة من شباب الحي دربوه على تعلّم أصول السرقات والدخول عنوة الى المنازل. وكلّ ما كان في باله أنها ستكون مرة واحدة، تكون الغنيمة فيها كبيرة فيؤمن ثمن العلاج لوالدته. لكن القدر شاء أن أحد المنازل التي حاول عمر أن يسرقها كانت مُراقبة فضُبط بالجرم المشهود ليقضي أشهراً عدّة في السجن فيما فارقت والدته الحياة. اليوم، وبعدما عاد عمر الى حريته، يعبّر في كلّ لحظة عن ندمه على الأفعال التي أقدم عليها، ولا يكتفي من ترداد «ليجازي الله من أوصلنا الى هذه الحالة» في إشارة الى المسؤولين عن الوضع الإقتصاديّ الصعب الذي يعاني منه لبنان. حال عمر مثلها الكثير من الحالات في لبنان بعدما أصبح الحصول على لقمة العيش بعرق الجبين صعباً جداً لإرتفاع الأسعار وندرة فرص العمل، وتحوّل كسب المال السريع الى طاقة أمل بالنسبة لكثيرين خصوصاً الشباب الذين يبحثون عن الإستقلالية المادية. وتفيد أرقام المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي، عن توقيف أكثر من 59 شخصاً في الأيام العشرة الأولى من شهر آب (أغسطس) الماضي بتهمة السرقة والنشل. وأعداد السرقات تزيد بكثير عن هذا الرقم اذ يسجّل يومياً أكثر من 3 عمليات كسر ودخول عنوة الى المنازل وسرقة الأموال والمجوهرات، إضافة الى عشرات عمليات النشل التي يجد فيها الضحايا أنفسهم مصدومين أمام هول درّاجة نارية تسرق منهم كلّ ما يحملونه وحتّى أوراقهم الشخصية. وببعض التدقيق في التقارير الأمنية، يتضح أن عمليات التوقيف تطاول خصوصاً شباناً تتراوح أعمارهم بين 15 و26 عاماً. وتتوّزع التهم بين السلب بقوّة السلاح وسرقة المنازل، لكن النشل يأتي بالمرتبة الأولى لسهولته ونتيجته السريعة. وبحسب قوى الأمن الداخليّ، فإنّ النشّالين يكونون شباناً في مقتبل العمر، لا ينتمون الى عصابة تديرهم، وهم يفضلّون الدراجات النارية لسهولة النشل خلال ركوبها، ويكون كثيرون منهم من مدمني المخدرات أي أنّهم في حالة عوز ويحتاجون للمال ما يؤمنونه بسرعة عبر نشل النساء تحديداً في الشوارع المزدحمة. والنشل هو جريمة سرقة أيضاً ويخضع للمادة 635 من قانون العقوبات في لبنان حيث يمكن أن تمتدّ العقوبة من شهرين الى 3 سنوات بحسب النتائج المترتبة عن العملية. وعلى رغم كلّ التدابير التي تتخذها السلطات اللبنانية للحدّ من حوادث النشل تحديداً، وآخرها إصدار وزير الداخلية مروان شربل قراراً يقضي بمنع سير الدراجات النارية التي تضمّ مقعدين، تحوّلت الكثير من الشوارع الى أماكن مخيفة بالنسبة للنساء بالدرجة الاولى لأنهن غالباً لا يملكن القوّة أو القدرة على ملاحقة أي سائق درّاجة. وتخبر منى، وهي تسكن في منطقة سن الفيل، ضاحية بيروت الشمالية، أنّ خلال سيرها في أحد شوارع المنطقة فوجئت بشابٍ تعرف أنّه يعيش في أحد الاحياء المجاورة. اقترب منها ونشل حقيبتها بقوّة حتّى أنّها وقعت أرضاً، تاركة حقيبتها للنشّال. لم تلجأ منى الى الشرطة مباشرة إنما قرّرت أن تتوّجه الى الحيّ الذي يعيش فيه الشاب الذي لا يتعدّى عمره 17 عاماً، وحين وصفت ملامحه للمارة استطاعت تحديد منزله وفوجئت بالفقر المدقع الذي يعيشه. فالمنزل أقرب ما يكون الى تخشيبة تفوح منها روائح نتنة. وتقول منى انّها فهمت الأسباب التي دفعت مثل هذا الشاب اليافع الى النشل، وهي طلبت من إحدى الجمعيات الأهلية الإهتمام به بدل إرساله الى الشرطة وسجنه لأنّ ذلك يمكن أن يؤذيه أكثر في حال وجوده مع مجرمين محترفين. إلا أنّ لفتة بعض الجمعيات والمنظّمات المدنية تجاه شباب يستسيغون الحصول على المال بسهولة غير آبهين بعواقب أعمالهم على أنفسهم أو على الأشخاص الذين يوقعونهم ضحية عملياتهم لا تكفي، خصوصاً أنّه كلّما اشتدت الأزمة الاقتصادية ارتفعت السرقات لتطاول حتّى أكثر الاحياء حصانة. ففي المناطق التي يزدحم فيها السير، بات شائعاً فتح باب السيارة ونشل حقيبة اليد أو حتى قنص الهاتف الخلوي من النافذة. ناجي جبّور الناشط في جمعية أهلية تعنى بالشباب المهمّشين، يشدد على أنّه يترتب على السلطات المعنية أخذ مبادرة واجراءات جدية لحماية هؤلاء اليافعين وحمايتهم من شر افعالهم خصوصاً أنّ كثيرين منهم أحداث وبالتالي هم بحاجة الى إحاطة كاملة عوضاً عن زجهم في السجون التي لا تناسب أعمارهم ولا تؤهلهم ليخرجوا مرة أخرى إلى الحياة.