أكدت الكاتبة السعودية زينب حفني أن الأدب النسائي العربي أسهم في الحراك الاجتماعي، لذا فهو يُعتبر أدباً ثورياً بامتياز، فاليأس والإحباط والرغبة الصادقة في التغيير، كما تقول، دفع الأديبة إلى سلك طُرق غير آمنة محفوفة بالمخاطر، مما جعل أدب المرأة العربية انعكاس لأحوال مجتمعها لتميزه بالصدق الأدبي، مشيرة إلى أن من يقرأ أدبها يستطيع أن يخرج بهذه القناعة. لكن حفني تعترف أن الإبداع النسائي السعودي قد بدأ متأخراً نتيجة الرقابة الاجتماعية الصارمة، وتشير إلى أن الأديبة السعودية تأثرت في بداياتها مثل الأدباء من رجال وطنها بالأدب القصصي والروائي العالمي، الذي قام على يد تشيكوف وإرنست همنغواي وفرجينيا وولف وغيرهم. ثم في مرحلة لاحقة بالقاص العبقري تشيكوف العرب يوسف إدريس والأديب النوبلي العظيم نجيب محفوظ ويحيى حقي وفتحي غانم وغيرهم. نالت روايتها «لم أعد أبكي» عام 2003 استحسان الكثيرين، إذ طرحت من خلالها ازدواجية المثقف العربي في تعامله مع المرأة. في روايتها «ملامح» عام 2006 ورغم أحداثها المأساويّة إلا أنها لفتت انتباه كثير من النقاد العرب وتناولوها في دراساتهم التي تتحدّث عن الإبداع النسائي العربي. أمّا روايتها الأخيرة «وسادة لِحُبّك» 2011 فقد تناولت قضية مذهبية حساسة تتمثّل في علاقة الحب التي ربطت بطلة الرواية (فاطمة) السنيّة المذهب بالبطل الرجل الممثّل في شخصية (جعفر) الشيعي المذهب. وقد تُرجمت بعض قصص زينب حفني القصيرة إلى اللغة الإنكليزية والفرنسية والهولندية وقريباً ستصدر روايتها «ملامح» مترجمة إلى اللغة الإنكليزية. «الحياة» التقت زينب حفني فكان هذا الحوار: حينما تغرق زينب حفني في أحلام يقظتها إلى أين تذهب؟ - أتخيّل نفسي أسير في نفق طويل مظلم، حاملة بيدي شعلة يشعُّ منها ضوء قوي، لأجد نفسي مع طول المشي تنهدُّ قواي ويخفت ضوء الشعلة حتّى تنطفئ تماماً وتعود الظلمة تُحيط بي من الاتجاهات كافة. أوقن لحظتها بأن كل الأشياء مصيرها يوما إلى زوال وأن أهم شيء في الحياة ألا يعيش الإنسان على هامشها ثمّ يموت نكرة لا يلتفتُ إليها أحد. لذا فأنا أعتبر نفسي من البشر المحظوظين كوني لم أعشْ حياة راكدة بل عشتُ حياة عاصفة وإن تخللتها أنهار من الدموع. نهاية الأمر أترك أمر مقاضاتي للتاريخ فهو الحكَم المنصف. في رأيك أين تكمن مهارة الروائي الحقيقي؟ - دوماً أردد بأن الروائي الحقيقي ماهر في اختراق خصوصيات الآخرين. وأن الفرق بينه وبين الإنسان العادي يكمن في قدرته الفائقة على خلق عالم خيالي. لكن هذا العالم لا ينبثق من فراغ وإنما من تلك الأرض التي ترعرع فيها، والتي وقع أسير حبّها دون أن يدري! لذا فهو يغار عليها من أي سلبيات عفنة تنفذ لخياشيمه! متوعداً في لحظة نزق وهو ممسك بقلمه، أن يفضح ما يلمسه بيديه ويراه بعينيه ويسمعه بأذنيه، وفي قول ما لا يستطيع أن يُجاهر به عامة الناس! شخصية نسوية أعجبتك، وتأثرت بها؟ - عندما بدأت في قراءة «ألف ليلة وليلة» مع بداية تشكّل مراهقتي، عشقت شهرزاد التي يعود لها الفضل في تعليم المرأة فن الحكي، بهرتني هذه المرأة بذكائها ودهائها وقدرتها على التملّص من سيف مسرور الجلاّد، سرحتُ ليال طويلة في حكاياتها التي لا تنتهي، وكيف نجحت في جذب شهريار إلى عوالمها المدهشة ووقف هوس الرغبة في أعماقه لقتل كل أنثى. تأثري وإعجابي بشهرزاد التي لم أرها يوما بأمِّ عينيَّ، والتي تعلّقتُ بها في فكري، هي التي دفعتني إلى المخاطرة والإقدام على مغامرات فادحة العواقب، والولوج إلى مناطق خطرة دون أن ترتجف جفوني أو أحسَّ برهبة الخوف من المجهول!! ليالٍ طويلة تقلّبتُ فيها على فراشي عاجزة عن وضع إجابات مقنعة لمئات الأسئلة المنهمرة في مساحة فكري الصغير!! كنتُ أسأل نفسي: هل من الممكن في المستقبل أن أصبح شهرزاد عصرية وأتملّص من تبعات أفعالي؟! هل في استطاعتي إتقان شيء من مميزاتها؟! هل أملك القدرة على أن أكون حكّاءة عظيمة مثلها ويُشيد الناس بإمكاناتي ويهتفون بإنجازاتي؟! قررتُ في لحظة مباغتة أن أضع قلبي على يدي وأسير على هديها، وأن أسجّل بقلمي ما يمر من أمامي، وأسطّر على الورق كل ما يعترض طريقي، على رغم الأخطار المتربصة بي، والتحذيرات التي لقّنوها عليَّ في صغري، وكتلة التقاليد والعادات الصارمة التي ترعرعت فيها داخل مجتمعي. نود إلقاء الضوء على مشوار الأدب النسائي في السعودية؟ - بدأت الرواية النسائية السعودية تحديداً على يد الأديبة سميرة خاشقجي بروايتها «ودّعتُ آمالي» التي صدرت عام 1958. وكانت روايتها «بريق عينيك» عام 1963 هي من فتح الباب أمام الأديبات السعوديات الأوائل للتحرر من عباءة التقاليد والعادات. ثم انفرطت السبحة وتكررت المحاولات على يد غيرها من الأديبات اللواتي انحصر نتاجهن في الاحتفاء بالجسد، وفي إطار علاقة المرأة بالرجل، وفي الدعوة إلى التمرّد على السلطة الأبوّيّة، وهو ما يعني أن الأديبة السعودية ظلّت أمداً ليس بالقصير قضاياها وهمومها الشخصية المحور الأساسي في أدبها. المُلفت أن الإنتاج الروائي لم يزل يُنشر خارج السعودية مع أنَّ المتلقّي الأساسي هو القارئ المحلي. ما تعليقك على ذلك؟ - هاجرت الأقلام النسائية خارج وطنها نتيجة الحصار الفكري المتشدد المفروض على صوت المرأة بالداخل، ما زادها إصراراً على كسر القيود والتحدّث بشفافية عن واقعها، والاستمرار في المطالبة بإلغاء سلطة ولي الأمر عليها. لكن هذا لا ينفِ بأن هناك إلى اليوم داخل السعودية شاعرات وروائيات يكتبن بأسماء مستعارة إمّا توجساً من ردود أفعال مجتمعهن، وإما خوفاً من مواقف أسرهن المحافظة، كما فعلت مؤلفة رواية (الآخرون) التي كتبت تحت اسم مستعار (صبا الحرز). وكما توارت صاحبة رواية (الأوبة) خلف اسم (وردة عبدالملك). وكما فعلت صاحبة رواية (القِرانُ المُقدّس) بالتخفّي وراء اسم (طيف الحلّاج). تنقلت مابين كتابة الرواية والمجموعة القصصية والشعر، ما وقع فعل الكتابة على زينب حفني؟ - قلتُ مراراً إن الكتابة حررتني من عُقدي، فالمرأة العربية تحمل مجموعة من الموروثات العقيمة التي جعلتها تكبت أحلامها وتطلعاتها حتّى لا تُتهم بأنها امرأة مستهترة جاحدة لا تعرف الوفاء وتنقض العهد بسهولة، وأنها تُريد السطو في وضح النهار على حقوق الرجل صاحب الفضل عليها والساهر على حمايتها طوال الليل حتّى لا تلتهمها ذئاب الطريق! لذا في اعتقادي أنه ليس هناك أحلى من أن تُمارس المرأة العربية كل ما ترغب فيه وتودُّ في أعماقها التمرّد عليه بتجربته في حريّة مطلقة على الورق، كونها واثقة بأنه لا يُوجد قاضٍ مهما بلغت مهارته على محاكمتها أمام الملأ، أو يستطيع رقيب متعصّب الرؤية تحجيم تطلعاتها وتبديد أحلامها!! ما نشاطاتك الأخرى بجانب ممارستك لعملك الإبداعي؟ - بدأت رحلتي مع القلم بالولوج من بوّابة الصحافة. قدّمت في مستهل حياتي العديد من التحقيقات الصحفية إلى أن دفعتني أمواج الأدب نحو شواطئها الساحرة. تنقلتُ بين عديد من الصحف المحلية وكتبت في بعض المجلات العربية. وكان لي بصفحات الرأي في صحيفة «الشرق الأوسط» الدولية على مدى خمس سنوات مقال أسبوعي طرحتُ من خلاله كل ما يهم القارئ العربي. انتهى بي المطاف اليوم إلى مقال أسبوعي بصحيفة «الاتحاد الإماراتية». هذا إلى جانب مشاركاتي الدائمة في ندوات ومؤتمرات عربية ودولية يُطرح فيها هموم الإنسان العربي بما فيها مناقشة مشكلات المرأة العربية. ماذا عن مشاريعك المستقبلية؟ - أنا منغمسة الآن في كتابة الجزء الثاني من روايتي «وسادة لحبّك» فقضية المذهبية الدينيّة تشغل بالي كثيراً وأرغب في التعمّق في تفاصيلها أكثر، آملة أن تحوز هي الأخرى على إعجاب قرّائي. كما أرغب في خوض تجربة كتابة قصص قصيرة جداً، إذ استهواني أخيراً هذا النوع من الأدب الجميل.