ظهرت الرواية العربية متشحة في مضمار من الخجل، وكان وجهها غير سافر واسم مؤلفها غير صريح، لأن المجتمع العربي كان وقتها لا يعترف بالرواية كفن أدبي لأنها دخيلة جديدة عليه.... ويجمع مؤرخو الأدب أن رواية زينب للدكتور محمد حسين هيكل هي أول رواية بالمفهوم الروائي في الأدب العربي وقد وقعها كاتبها باسم -فلاح مصري- فتكون زينب أول ولادة لأول رواية عربية مصرية مجهولة الأب. وجاء بعض نقاد الأدب العربي وكردة فعل حاولوا إيجاد جذور للرواية العربية في التراث العربي فاعتبروا سيرة عنترة وقصص ألف ليلة وليلة عملا روائيا عربيا قديما قد سبق الغرب. والحقيقة غير ذلك.. فالروائي له حساسيته الخاصة التي يعرف بها متى ينبغي له أن يسرد ومتى يجري الحوار ويعرف متى يصل القارئ إلى ما يريد ، أما السير الشعبية التي جمعها الجامعون من أفواه رواة الحكايات وإن أعجبت الناس فهي بعيدة كل البعد عن معنى الرواية.... وزعم بعض النقاد أن قصص الأغاني وطوق الحمامة وغيرهما الكثير من الكتب التي تروي الحكايات عن الناس أنها كتبٌ قصصية ، والحقيقة أنها قصص تاريخية معظمها يعتمد على الكذب ولا يمكن إدخالها إلى عالم القصة والرواية ، لذلك لابد أن نعترف أن الرواية ليست من التراث العربي بشيء ومثلها القصة القصيرة والمسرح فكل هذه الفنون ألوان من الأدب وفد علينا من الغرب ولا أصل له في تراثنا العربي... ولكن بعد سنوات قليلة بدأت الرواية العربية تأخذ مكانها في الأدب العربي، فأعاد هيكل طباعة رواية زينب وذيلها باسمه الصريح الكامل بفخر واعتزاز، وبدأ عمالقة الأدب العربي يكتبون الرواية فجاءت روايات العمالقة..طه حسين وتوفيق الحكيم والعقاد والمازني وتيمور وحقي وغيرهم.. فكتب طه حسين - الأيام و أديب وشجرة البؤس والحب الضائع ودعاء الكروان وشهرزاد- أما توفيق الحكيم فبدأ برواية عودة الروح ثم أتبعها عدة روايات مع زعامته في كتابته للمسرح العربي ، وكتب المازني إبراهيم الكاتب وإبراهيم الثاني وميدو وشركاه - وكتب العقاد - سارة - وكتب تيمور وحقي لكنهما اعتنيا بالقصة. وجاء الجيل الثاني من كتاب الرواية العربية وتزعمهم نجيب محفوظ فكتب الرواية وأبدع فيها ونقلها إلى العالمية مع إدخاله للرواية أشكالاًجديدة. وقد عاصر محفوظ كثيراً من الروائيين العرب جلهم في مصر منهم يوسف السباعي وإحسان عبد القدوس والشرقاوي والسحار ولكل منهم أسلوبه الخاص في إبداعاته مما جعل القراء العرب يتهافتون عليهم كلهم. ثم جاء الجيل الثالث وخير من يمثله يوسف إدريس و مصطفى محمود فكتبوا الرواية والقصة القصيرة معاً ولكنهم بنوا على من سبقهم وعلى قمة هذا الجيل حنامينه وفي العقد الأخير ظهر عدد كبير من الروائيين العرب وتقبلهم القارئ أمثال عبد الرحمن منيف وكوليت خوري وغادة السمان وغسان كنفاني وحسين عبد الكريم الشاعر الروائي ويوسف الأبطح الذي أبدع في ثلاث روايات وأحلام مستغانمي وغيرهم كثير.... أشكال في الرواية العربية : يقول النقاد الباحثون في الرواية العربية :إذا ألقينا نظرة على تطور الرواية العربية نجدها أنها مرت بعدة مراحل..... فيقول ثروت أباظة: إن رواية زينب كان الشكل فيها طيبا بسيطا لا تعقيد فيه، حتى البناء كان بسيطا والقصة في ذاتها رومانسية اتخذت أشخاصها من أهل القرية البسطاء، وقال: حتى الروايات التي ظهرت بعدها كان فيها نفس العيوب التي حملتها رواية - زينب - وان كانت رواية الحكيم - عودة الروح - حققت نجاحا ساحقا ففيها الكثير من العيوب، ومن الطبيعي أن تكون تلك العيوب في بناء الرواية فهي مازالت وليدة جديدة ودخيلة على أدبنا العربي ومازالت بين الرفض والقبول ، ولكن نرى بعد ذلك أن روايات طه حسين والمازني ورواية سارة للعقاد قد نجحت وخلت من كثير من عيوب من سبقها. ثم جاء جيل نجيب محفوظ فانقسم إلى قسمين اثنين: أحدهما: ويمثله نجيب محفوظ فقدم الرواية الفلسفية العميقة جداً دون تدخل من الروائي فلا يقول رأياً مطلقاً حتى إذا مضى بالرواية إلى مرحلة رواية الفكرة والبحث جعل الرأي الذي يريده ينبت من داخل الرواية الفكرية والرواية السياسية على أعظم صورة عرفتها الرواية على مستوى العالم كله. وثانيهما: جماعة اختاروا الرواية العاطفية القريبة من النفس البشرية فكلمت القارئ بلغة حبيب قريب ، وبفضل هذا الأسلوب أقبل الشباب على قراءة الرواية بشكل نهم، وأهم روائيي هذا الأسلوب إحسان عبد القدوس ويوسف السباعي ومن الملاحظ أن الروائيين في الوطن العربي في هذا العصر يتجهون إلى المعاني الإنسانية العامة، خاصة إذا كان الكاتب الروائي قد تحرر من عقدة الخوف ونال الحرية وحرية قلمه، فمن المؤكد أنه سيتناول في رواياته المجتمع الإنساني العام بعد أن أطمأنت نفسه على حريته. الثورة السورية