يقول البرازيليون إن توقفاً لتناول وجبة الغداء ربما يغيّب موظفاً من مدينة سلفادور ثلاث ساعات عن مكتبه، في مقولة تحاكي الجملة العربية الشهيرة «فلان يومه بسنة»، فسكان هذه المدينة الواقعة في إقليم بايا يكتسيهم الكثير من هدوء بحرهم، لذلك تجد كل ردود فعلهم باردة جداً، ولذلك ربما أن محطة القطار التي بدأ العمل عليها قبل أكثر من 14 عاماً لا تزال وحتى اليوم خارج الخدمة. كل الأعين صوبت خلال المونديال على السلفادور، لا يأتي ذلك مستغرباً إذا ما علمت أنها وحتى اليوم استضافت قمتي هولندا وإسبانيا قبل لقاء ألمانيا بالبرتغال، وكلاهما جاء زاخراً بالأهداف، فملعب «أرينا فونتي نوفا» شهد 10 أهداف حتى اليوم لتفوق أهدافه ملاعب البطولة كافة. القصة في مباريات السلفادور تبدأ غالباً بالطريق إلى الملعب، وفي مدينة صغيرة كهذه تسكن الغالبية العظمى من الجماهير في فنادق قريبة جداً من «فونتي نوفا»، محطة القطار التي كان من المفترض أن تنقل الجماهير إلى الملعب قبل أن تخدم سكان المنطقة في الأعوام المقبلة تعمل، لكنها لا تخدم أحداً كما يقول سائق «الأجرة» الذي يقودنا إلى ملعب المباراة: «قبل 14 عاماً استبشر سكان سلفادور خيراً حين قررت الحكومة بناء محطة قطار، فخطوة كتلك كفيلة بحل مشكلة الزحام الكبير الذي نعاني منه، لكن العمل عليها توقف لفترة طويلة»، ويضيف: «بعد إعلان فوز البرازيل في تنظيم المونديال قبل سبعة مواسم وعدنا باستكمال هذا المشروع، واليوم وبعد أن انطلق المونديال يمكنك أن ترى بأن هذه المحطة تنقلك إلى الملعب فقط ومن نقطة لا تبعد أكثر من 6 كيلومترات، ما يعني أنها لم تخدم زوار المونديال، ولا تخدمنا في مستقبل الأيام». حديث السائق تتفق معه الغالبية الجماهيرية، فمحطة «فونتي نوفا» لم تنقل جل الجماهير إلى الملعب، إذ قدم معظمهم عبر حافلات أو سيارات أجرة، بالنسبة لنا استغرقت رحلة الكيلومترات الخمسة من الفندق إلى الملعب قرابة الساعة في ظل الزحام الخانق للجماهير المتوجهة إلى لقاء ألمانيا بالبرتغال. كل المركبات الناقلة للجماهير تتوقف على بعد كيلومتر من الملعب تقريباً، بعدها يجبر الركاب على الترجل وإكمال المشوار القصير سيراً على الأقدام، وهو الحال في معظم الملاعب البرازيلية. خلال مشوار سيرك يبدو الملعب الضخم الجميل واضحاً على يمينك، مطلاً بكل أناقته وحداثته على «عشوائيات» في المنطقة المقبلة التي يسكنها برازيليون بسيطون لا يمانعون في أن تلتقط صور تحكي واقعهم، لذلك يقصدهم مصورو الوكالات العالمية بحثاً عن نقل الصورة الثانية للمونديال. «العشوائيات» المفردة التي بحث عنها البرازيلي ريكاردو كروز كثيراً قبل أن ينجح في نقلها لنا بالإنكليزية تنتشر في مناطق كثيرة في البرازيل، أراضٍ غير مأهولة يستخدمها السكان المحليون بيوتاً من دون الحصول على تصاريح رسمية، فمعظم ملاعب المونديال بُنيت في تلك المناطق، وبحسب كروز فإن تهجير أولئك المواطنين كان ليزيد من غضب البرازيليين على المونديال، لذلك تجنبت الحكومة إصدار قرار يقضي بإبعادهم.