ما من طريق يقودك إلى كورنثيانز أرينا، كل الطرق تقريباً مغلقة، على بعد أكثر من كيلومترين من الملعب الذي شهد افتتاح أكبر فعالية رياضية عالمية، يجبرك رجال الأمن على التخلي عن مركبتك والسير على القدمين باتجاه الملعب، وما إن تقترب منه حتى تفشل في تجاوز رجال الأمن إذا كنت من دون تذكرة لدخول الملعب، الطريق الوحيد الممهد إلى كورنثيانز توفره وسائل النقل العامة خصوصاً قطار الملعب، لكن الزحام الكبير على محطته يعقّد عملية استخدامه، في ظل المخاوف الأمنية. بشكل عام لا تشبه صبيحة اليوم الأول للمونديال بقية أيام ساوباولو، فمنظر رجال الجيش الذين اكتظت بهم الشوارع منذ ساعات الصباح الأولى تقول إن الفعالية الكروية الأكبر تحتاج إلى رقابة أمنية عالية، عربات الجيش نقلت أفرادها إلى الفنادق المختلفة حول المدينة حتى تلك البعيدة من الملعب، إذ لازموا بوابات الفنادق منذ الخامسة صباحاً. جماهير البرازيل جابت الشوارع قبل الاتجاه إلى الملعب، وقمصان المنتخب الوطني بدت أشبه بالزي الرسمي وأصوات «الفوفازيلا» باتت بديلاً عن أبواق السيارات والاحتفالات، وحضرت حتى قبل انطلاق المباراة، أما المقاهي والمطاعم قربت شاشتها الضخمة نحو الأبواب في دعوة إلى أولئك العاجزين عن الوصول إلى الملعب لمتابعة الحدث عبر مقاعدها. مظاهرات الرافضين للمونديال بدت أقل حدة قبيل الافتتاح، على الأقل بناء على أعداد المشاركين، لكن صرامة رجال الأمن في التعاطي معها لا تزال بالحدة ذاتها، أصوات الاستياء من التظاهرة الكروية الضخمة تبدو أقل ضجيجاً مما كانت عليه في الأيام الماضية، في ما يصفه البعض هنا بالرضوخ لواقع الحال، لكن المطالب والتذمر من الأعباء التي ألقى بها المونديال على ظهور السكان المحليين لا يزالان حاضرين حتى في غياب مظاهرة رسمية، فيما تسمع بين الحين والآخر عن إضراب حالي أو منتظر في كل قطاع من القطاعات، بالنسبة إلى حضور المونديال لا تبدو أخبار الإضرابات المتناقلة مقلقة، لاسيما أن غالبية الأمور تسير بشكلها الطبيعي. كل القطاعات الحكومية توقفت عن العمل، ذلك أن الحكومة أعلنت إجازة ليوم افتتاح البطولة، فيما اكتفت المصارف بالعمل خلال الفترة الصباحية من الثامنة والنصف حتى منتصف النهار عوضاً عن ساعات العمل السابقة الممتدة من التاسعة صباحاً إلى الخامسة عصراً. يقول البرازيليون إنه ما من خيار ثانٍ يضمن وصول الجماهير إلى الملعب باستثناء توقف القطاعات الحكومية عن العمل، ذلك أن الشوارع لن تستوعب زحام ساعات الخروج من العمل، في ظل اكتظاظها بالجماهير المتوجهة إلى الملعب، الطريق الرسمي إلى كورنثيانز يستوعب مركبتين أو ثلاثاً في أفضل حالاته، ويعج بالمساكن على يمينه فيما يوازي سكة القطار الممتدة على يمينه، لذلك يبدو من المستحيل أن يستوعب زحاماً أكبر من المنتظر. في فناء الملعب تقف سيارات الشرطة الكبيرة في كل الأماكن تقريباً وتبدو الثقة واضحة على أفرادها، «الحياة» تحدثت إلى أحدهم، فأكد أن 500 من عناصر الشرطة يحومون حول الملعب منذ أمس، وأكثر من ذلك العدد يتنقلون بين الجماهير بزي غير رسمي في محاولة لضمان سلامة الجميع، مشدداً على أن الأوضاع الأمنية مطمئنة، والبطولة ستمر بسلام كما خطط لها. بحسب البرازيليين فإن 50 في المئة من السكان المحليين يرفضون استضافة بلادهم البطولة، لذلك فإن كل طرف مؤيد أو معارض يبحث بقوة عن تدعيم حجته، البرازيلية ألكساندرا روي المعارضة لاستضافة البطولة تشكك في كل التطمينات الأمنية وتقول: «أشعر بأن شيئاً سيئاً سيحدث هنا، سمعنا الكثير من التهديدات التي تناقلتها وسائل الإعلام المحلية، لن يكون بمقدورنا تنظيم هذه البطولة بالشكل المطلوب، الخطر برأيي يهدد ساوباولو وريو دي جانيرو أكثر من غيرهما، أعرف الطريق إلى ملعب ريو دي جانيرو، وهي لن تستوعب أعداداً كبيرة من الجماهير». مالكو مركبات الأجرة الذين يؤيد معظمهم استضافة المونديال تظهر الثقة بمرور هذه البطولة بسلام واضحة في أحاديثهم، إذ يؤكدون أن الوجود الأمني المكثف كفيل بإزالة المخاوف كافة، وفي المقابل إبعاد أي خطر عن المباريات والجماهير. القنوات التلفزيونية الناقلة توزعت حول الملعب عبر مركباتها، أو حتى المنازل المجاورة للملعب، والتجارب انطلقت قبل يوم من الافتتاح، مصورو القنوات العالمية تنقلوا حول الملعب وراقبوا عن كثب أعمال الصيانة الأخيرة، وأجروا اللقاءات مع عدد كبير من الجماهير. السوق السوداء بالطبع لا تغيب عن أية فعالية كروية، وهي ربما أكثر حضوراً في البرازيل، فالتذاكر متوافرة بحسب أولئك الذين يروّجون لها، لكن الجهات الرسمية طالبت الجماهير بتجنب شراء مثل تلك التذاكر لأنها من دون الأوراق الرسمية لن تسمح لحاملها بدخول المباراة، على رغم أن سعرها زاد اليوم على 4 آلاف دولار أميركي. الغريب في كل ما يحيط بالمونديال هو توافر الحجوزات في عدد ضخم من فنادق ساوباولو، إذ إن نسبة الإشغال لم تبلغ حدها الأقصى حتى يوم الافتتاح، على عكس حال ريو دي جانيرو وسلفادور اللتين شغلت غالبية غرف فنادقهما، إذ إن الخيارات المتاحة حالياً في تلك المدن لا تتجاوز فنادق تحمل نجمة أو نجمتين، وهو خيار لا يوفر أي نوع من الأمان في البرازيل.