«سلمان للإغاثة» يوزع 526 حقيبة إيوائية في أفغانستان    الكشف عن مدرب الشباب الجديد    تحقيق أولي: تحطم الطائرة الأذربيجانية ناجم عن «تدخل خارجي»    ضبط 3 مواطنين في نجران لترويجهم (53) كجم "حشيش"    وزير «الشؤون الإسلامية»: المملكة تواصل نشر قيم الإسلام السمحة    اتهامات لنتنياهو بعرقلتها.. تضاؤل فرص إبرام هدنة غزة    خطيب الحرم: التعصب مرض كريه يزدري المخالف    دار الملاحظة الأجتماعية بجازان تشارك في مبادرة "التنشئة التربويه بين الواقع والمأمول "    الذهب يستقر وسط التوترات الجيوسياسية ويتجه لتحقيق مكاسب أسبوعية    مدرب اليمن يستهدف فوز أول على البحرين    قوات الاحتلال الإسرائيلي تقتحم مستشفى كمال عدوان شمال غزة    مدرب العراق: سأواجه «السعودية» بالأساسيين    الفرصة لا تزال مهيأة لهطول الأمطار على معظم مناطق المملكة    مآل قيمة معارف الإخباريين والقُصّاص    الصندوق السعودي للتنمية يموّل مستشفى الملك سلمان التخصصي في زامبيا    مهرجان الرياض للمسرح يبدع ويختتم دورته الثانية ويعلن أسماء الفائزين    أميّة الذكاء الاصطناعي.. تحدٍّ صامت يهدد مجتمعاتنا    الأمن.. ظلال وارفة    إحالة 5 ممارسين صحيين إلى الجهات المختصة    99.77 % مستوى الثقة في الخدمات الأمنية بوزارة الداخلية    خادم الحرمين يهنئ رئيس المجلس الرئاسي الليبي بذكرى استقلال بلاده    عبقرية النص.. «المولد» أنموذجاً    مطاعن جدع يقرأ صورة البدر الشعرية بأحدث الألوان    اجتثاث الفساد بسيف «النزاهة»    سورية الجديدة.. من الفوضى إلى الدولة    نائب أمير مكة يفتتح ملتقى مآثر الشيخ بن حميد    «كليتك».. كيف تحميها؟    3 أطعمة تسبب التسمم عند حفظها في الثلاجة    كرة القدم قبل القبيلة؟!    ليندا الفيصل.. إبداع فني متعدد المجالات    قائمة أغلى عشرة لاعبين في «خليجي زين 25» تخلو من لاعبي «الأخضر»    ضبط شخص افتعل الفوضى بإحدى الفعاليات وصدم بوابة الدخول بمركبته    122 ألف مستفيد مولهم «التنمية الاجتماعي» في 2024    فِي مَعْنى السُّؤَالِ    «إسرائيل» ترتكب «إبادة جماعية» في غزة    أهلا بالعالم    دراسة تتوصل إلى سبب المشي أثناء النوم    ثروة حيوانية    تحذير من أدوية إنقاص الوزن    وسومها في خشومها    ضرورة إصدار تصاريح لوسيطات الزواج    حرس الحدود بجازان يدشن حملة ومعرض السلامة البحرية    رفاهية الاختيار    5 مشاريع مياه تدخل حيز التشغيل لخدمة صبيا و44 قرية تابعة لها    منتخبنا كان عظيماً !    استثمار و(استحمار) !    اختتام دورات جمعية الإعاقة السمعية في جازان لهذا العام بالمكياج    وزير الدفاع وقائد الجيش اللبناني يستعرضان «الثنائية» في المجال العسكري    وزير الخارجية يصل الكويت للمشاركة في الاجتماع الاستثنائي ال (46) للمجلس الوزاري لمجلس التعاون    بلادنا تودع ابنها البار الشيخ عبدالله العلي النعيم    وطن الأفراح    حلاوةُ ولاةِ الأمر    46.5% نموا بصادرات المعادن السعودية    التخييم في العلا يستقطب الزوار والأهالي    مسابقة المهارات    ما هكذا تورد الإبل يا سعد    منتجع شرعان.. أيقونة سياحية في قلب العلا تحت إشراف ولي العهد    نائب أمير منطقة مكة يطلع على الأعمال والمشاريع التطويرية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المؤشرات اللبنانية الى ضعف النظام السوري
نشر في الحياة يوم 04 - 09 - 2011

يطيب لسياسيين لبنانيين تصوير الانتفاضة السورية على أنها حرب أهلية ستصل شراراتها الى لبنان لا محالة. رئيس مجلس النواب نبيه بري قال ما يشبه ذلك في خطابه الأخير، والزعيم الدرزي وليد جنبلاط يقول لزواره هذه الأيام ما يوازي هذا. وعلى رغم ذلك لا يشعر اللبنانيون بأن ضغطاً يتخلل أوضاعهم بفعل ما يجري في سورية، بل ثمة مؤشرات كثيرة يُستشعر منها ان الانتفاضة السورية أهدت الى لبنان ما لم يستطع انجازه لنفسه. فقد بدأنا فعلاً نشعر بأن ضغط النظام السوري على أوضاعنا الداخلية يتراجع، وأن حلفاء دمشق في لبنان، قبل خصومها، بدأوا من دون ان يشعروا بالتخفف من تبعات خضوعهم لها. ويمكن رصد ذلك في الكثير من وجوه الأداء اليومي للحلفاء والخصوم على حد سواء. فقد أقامت الانتفاضة السورية توازنات لبنانية ضمنية ومستجدة كان من الصعب قيامها من دونها.
لنراقب مثلاً اداء الحكومة اللبنانية، وهي صناعة سورية خالصة. فالتخبط الذي يشوب وجوه علاقتها بدمشق لا تُخطئه عين. في مجلس الأمن قرر لبنان ان «ينأى بنفسه» عن التصويت على قرار يدين استهداف المدنيين في سورية و«النأي»، عندما يصدر عن حكومة ليس فيها خصم واحد لدمشق، يعطي فكرة وافية عن حجم الاضطراب في الموقف، او عدم الانسجام مع النفس في اصداره. صحيح ان دمشق أبدت «تفهماً» للموقف اللبناني، لكن التفهم بدوره يعكس حجم التطلب، فأنت لا تطلب من تابعك ما لا يستطيع تقديمه. وتكرر تقريباً ما جرى في مجلس الأمن في الجامعة العربية، فوزير الخارجية اللبناني لم يتمكن من خوض معركة دمشق في القاهرة، وانتظر حتى يعود الى بيروت ليهاجم منها البيان الذي صدر عن الجامعة والذي يطالب دمشق بأكثر مما طالبها به بيان مجلس الأمن.
لبنان والحال هذه مربك في خضوعه لدمشق، وعاجز عن مخاطبة الجامعة العربية ب «قناعاته» حيال الانتفاضة السورية، اذ إن ذلك سيعني خروجه وحيداً عن إجماع عربي ليس هو الآن في وضع يؤهله للقيام به.
هذا في ما يخص الموقف المباشر من دمشق، لكن لها ما لا يُحصى من أشكال النفوذ في لبنان، وانعكاس أزماتها الداخلية على موقف لبنان من الأزمة السورية يعني أيضاً انعكاساً على نحو أشد في الملفات الأخرى.
لسورية خصوم في لبنان، وهؤلاء ليسوا في أحسن أحوالهم بفعل عوامل كثيرة، أولها آلة النفوذ الضخمة التي يشكلها حليف سورية «حزب الله»، وثانيها أوضاع هؤلاء الخصوم وظروفهم وطبيعة تراكيبهم الطائفية والاجتماعية. لكن، على رغم حال الشلل الجزئي الذي يعيشه هؤلاء الخصوم، فإن الانتفاضة السورية حولتهم رغماً عنهم الى قوة مؤثرة ومحددة للسياسات الحكومية. فهم اليوم أشبه بتلك المجسمات التي يضعها المزارعون في حقولهم لإبعاد الطيور عن قمحهم.
حكومة نجيب ميقاتي التي جيء بها لتغير الظروف والأوضاع التي كانت حكومات «14 آذار» المتتالية قد كرستها في الإدارة وفي السياسة والاقتصاد، لم تتمكن حتى الآن من انجاز مهمة واحدة من المهمات المنوطة بها. فالمعارك السياسية الطاحنة التي كان «حزب الله» وحلفاؤه قد خاضوها ضد الجهاز الأمني والعدلي القريب من «14 آذار» إبّان الحكومات السابقة، لم تعد تجدي نفعاً اليوم، وما زال رموز حكومات الحريري في مناصبهم. «حزب الله» مضطر اليوم ل «مسايرة» ميقاتي عبر الكف عن المطالبة بإقالة من زود المحكمة الدولية ب «داتا المعلومات»، لكن المسايرة معقودة هنا للانتفاضة السورية. فميقاتي لا يمكنه الصمود في وجه الشارع السنّي في حال انخراطه في الحملة على رموز الحقبة الحريرية، والشارع السنّي اليقظ هذه الأيام، انما هو يقظ بفعل ما يجري في الشام، وليس بفعل شجاعة ممثليه.
الأمر نفسه يتكرر في موضوع تمويل المحكمة الدولية. فالحكومة عاجزة حتى الآن عن اعلان موقف في هذا الموضوع، وهذا وحده كاف للقول ان عجزها عن اشهار موقف من المفترض ان يكون مركزياً في الوجهة التي حُددت لها ما كان ليحصل لولا ما يجري في دمشق.
كان من الممكن ان نقول ان حكومة «القمصان السود» التي شكلتها دمشق في بيروت هي امتداد للحكومات الحريرية لولا طبيعة تركيبتها. فميشال عون الذي صوّر على انه المنتصر الأكبر من تشكيلها عاجز اليوم عن استثمار فوزه بثلث الوزراء. في وزارة الهاتف لم يتمكن من اقصاء خصمه اللدود عبدالمنعم يوسف، وفي وزارة الكهرباء لم يفز بالموازنة التي طلبها، ومعاركه مع المديرين العامين في وزارتي الداخلية والعدل انتهت بصمود خصومه، هو الذي انتصر في الوزارة.
لكن مؤشرات ضعف النظام السوري في لبنان لا تقتصر على اداء حكومة هذا النظام اللبنانية. فاستقبال مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ محمد رشيد قباني السفير السوري صار مصدر ازعاج للمفتي الذي قوطعت صلاة عيد الفطر التي أمّها من جانب نواب ووجهاء طائفته احتجاجاً على استقباله السفير. واستقبال المعارضين السوريين على المنابر اللبنانية صار أمراً عادياً، وإغاثة اللاجئين السوريين في المناطق الحدودية صارت مطلباً شعبياً.
على المستوى الأمني اللبناني أدى ضعف النظام في سورية الى ترهل المنظومة الأمنية والعسكرية لحلفائه. ف «حزب الله» اليوم أقرب الى حركة فتح في 1981. فهو لا يبدو متمكناً من السيطرة على «المربعات الأمنية» الكثيرة والواسعة التي أنشأها، او التي نشأت لتحاكي تمسكه بالسلاح. الوقائع الأمنية اليومية في مناطق نفوذه، من عمليات خطف ومواجهات مسلحة بين العائلات والعشائر، صارت أمراً ملحوظاً. ويبدو ان اتساع «مجتمع الحزب» أفقده القدرة على ادارة أزمات هذا المجتمع. هذا الخلل يصيب حلفاء سورية في لبنان أكثر من اصابته خصومها، ذاك ان الدولة المنتهكة اليوم هي دولتهم والحكومة حكومتهم، ولا يبدو ان للفلتان الأمني مضامين استهدافية بقدر ما هو اهتراء يواكب ضعف النظام في سورية ويوازيه.
لبنان ليس اليوم في أحسن أحواله، لكنه ليس في أسوئها، والانتفاضة السورية حدث لم يسبق ان اختبره المسؤولون اللبنانيون، ولهذا فهم يحكمون على نتائجها وفق خبرات كسبوها في مرحلة كان النظام فيها القوة الوحيدة في سورية وفي لبنان.
لكن ما يغري بالاستنتاج هنا ان السوريين بدأوا ببلورة قوة موازية ومنافسة لقوة نظامهم. اما في لبنان فما زلنا في المجهول على هذا الصعيد.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.