برهن العلماء للمرة الأولى أنّ البوصلة المغناطيسيّة لدى طيور «أبو الحنّاء» تتوقّف تماماً عن العمل حين تتعرّض لتداخل كهرومغناطيسي ناتج من موجات إذاعية. وشدّدوا على أن التوقف يحصل حتى لو كانت إشارات التداخل الكهرومغناطيسي لا تتجاوز الكمية غير المضرة التي حدّدتها «منظمة الصحة العالمية». وقبل ذلك الكشف العلمي، ساد الاعتقاد بعدم وجود تأثير بيولوجي للتلوّث الكهرومغناطيسي، وهو كمية خفيضة من الأشعة الكهرومغناطيسيّة تصدر عن بعض نشاطات بشرية كالبث الإذاعي والمرئي - المسموع وغيرهما. وتعرّضت هذه المقولة للاهتزاز أخيراً، إذ تمكّن فريق بحوث يعمل تحت إشراف البروفيسور هنريك موريتسِن وهو عالم أحياء في جامعة «أولدنبرغ» الألمانية، من أن يبرهن أنّ البوصلة المغناطيسية لدى طيور «أبو الحنّاء» تتوقّف تماماً عن العمل حين تتعرّض لتداخل كهرومغناطيسي ناتج من موجات إذاعية خفيضة الكميّة. دور المصادفة جرى التوصّل إلى تلك الاكتشافات عقب بحوث أجراها تسعة علماء من جامعة «أولدنبرغ» على مدار سبع سنوات، بالتعاون مع البروفيسور بيتر هور من جامعة أوكسفورد. ووردت الاكتشافات في تقرير في عنوان «الضجيج الكهرومغناطيسي الذي يصدره البشر يوقف عمل البوصلة المغناطيسية لدى الطيور المهاجرة»، نُشر في مجلة «نيتشر» العلميّة المرموقة. وسلّطت المجلة الضوء على أهمية هذه الدراسة، عبر وضعها على غلاف المجلة في عدد صدر في أواخر ربيع العام الحالي. حصل كلّ شيء من طريق المصادفة. فعلى مدى قرابة 50 عاماً، كان معلوماً أنّ الطيور المهاجرة تستخدم الحقل المغناطيسي للأرض من أجل تحديد وجهة هجرتها. وبرهن علماء الأحياء ذلك الأمر عبر عدد من التجارب التي اختبروا فيها قدرات الملاحة الجويّة لدى الطيور. وانقلبت تلك الصورة أخيراً، إذ أعلن موريتسِن أن الفريق العلمي المشترك تفاجأ حين عجزت طيور «أبو الحنّاء» التي جرى احتجازها في أكواخ خشبية في حرم جامعة «أولدنبرغ» عن استخدام بوصلتها المغناطيسية. وبعد التثبّت من تلك الواقعة، اقترح الدكتور نيلز لاس شنايدر، وهو باحث ومختص في الكهرباء المتّصلة بعمل أعضاء الجسم في فريق موريتسِن، وضع غطاء مصنوع من أوراق الألومينيوم على الأكواخ الخشبية والأقفاص الموجودة داخلها. يجدر التنبّه إلى أن الغطاء لا يؤثّر في الحقل المغناطيسي للأرض الذي يسمح للطيور بالملاحة، لكنّه قلّص في شكل كبير التداخل الكهرومغناطيسي المحيط بالأقفاص أو التلوّث الكهرومغناطيسي داخل الأكواخ. وبدا هذا التأثير مذهلاً، إذ اضمحلت فجأة قدرات الوجهة لدى الطيور. ولفت موريتسِن إلى «أنّ قياس التداخلات يدل على أننا اكتشفنا بالمصادفة نظاماً بيولوجياً حسّاساً يتأثر بالضجيج الكهرومغناطيسي الذي يصدر عن نشاطات بشرية، حتى عندما يكون ضمن تردّدات لا تتجاوز 5 ميغاهيرتز». وأضاف أنّ المفاجئ في الأمر كله تمثّل في أنّ كثافة التداخل كانت دون الحدود التي أقرّتها «اللجنة الدولية المعنيّة بالحماية من الإشعاع غير المؤيّن»، وهي تابعة ل «منظمة الصحة العالمية».