كم هو عدد الجمعيات الخيرية المدنية في جدة؟ وكذلك كم هو حجم الأموال التي تديرها تلك الجمعيات خلال العام الواحد، وكم هي الأموال التي ضخت فيها خلال العقدين الماضيين؟ على سبيل المثال، هذه الجمعيات في أساس عملها تلمس حاجات الفقراء والضعفاء والمرضى وتضميد فقرهم وجروحهم. تقول التقديرات إن العدد يفوق مئات من الجمعيات في مدينة جدة فقط، ولو قدرنا عدد سكان جدة بأربعة ملايين نسمة، فيهم على الأقل خمسة في المئة فقراء ومساكين ومحتاجين، وبالتالي قسمنا عددهم. على تلك الجمعيات فهل تلك الجمعيات قادرة على أن تكفيهم حاجاتهم اليومية وكفكفة فقرهم المستمر الذي قصم ظهرهم، وإخراجهم من خط الإنتاج اليومي في مدينتهم ليبقوا على هامش المدينة إلى حين؟ التقديرات تؤكد وجود أكثر من 200 جمعية بما يعني أن كل جمعية تكفل على الأقل 1000 فرد، وهو رقم معقول بل ربما هو ربما رقم متواضع. ومع ذلك لا يزال آلاف العائلات يشكون العوز والحاجة، ولا زلنا نسمع عن أحلام أولئك الفقراء في الانعتاق من تلك الحالة المستمرة. إذن الخلل ليس في الجمعيات ولا عددها ولا في حجم الأموال المصروفة عليها، ولا في حجم الأموال المنصرفة منها، بل إن الخلل يكمن في البرامج التي تقدمها الجمعيات والقائمة على أفكار باهتة تعتمد في المقام الأول على التبرع بسلال غذائية أو بعض الأجهزة الكهربائية، لكنها لا تقوم على برامج حقيقية متوسطة وطويلة الأمد تعالج الحالات الفقيرة وتقتلع الفقر من جذوره. فلو تكفلت كل جمعية بحالات الأسر الفقيرة التي تتبعها بالكامل وتابعت حالاتها بدءاً من التعليم والسكن والعلاج حتى نقلها من حالة الفقر إلى حالة الاكتفاء وتعويمها فوق خط الفقر، بدلاً من ربطها بالمساعدات الغذائية وبقايا الملابس المغسولة التي يتم تجميعها وإهداؤها لتلك الأسر المعوزة، ربما كان ذلك أكثر جدوى وأعمق تأثيراً. لا أعرف أن كان هناك خريطة عمل لتلك الجمعيات في جدة ولا نعرف أن كان لديها مجلس يضمها مع بعضها البعض، ولا مركز معلومات موحد للأسر والأفراد الذين يكفلونهم. كل ما أعرفه أن الفقراء لا يفهمون تلك التبريرات التي تقدمها الجمعيات والقائمون عليها، ولا يجب أن ينظر إليهم باعتبارهم متطفلون على موائدهم، بل يجب أن نؤمن جميعاً بأنهم هم اصحاب الحق، وأن ما يقدم لهم هو واجب علينا وليس هبة نرميها لهم في أكياس بلاستيكية من خلف أبواب الجمعيات. أولئك الفقراء، خاصة النساء منهم يتجمعون حول تلك الجمعيات وخلف أسوارها، وتحت لهيب الشمس تنتظر بالساعات أخذ «كرتوناً» من الزيت والرز لا يسمن ولا يغني من جوع، لتقوم بتحميله على حسابها في «دباب» لتنطلق بعد ذلك إلى بيوتها لمدة أسبوع، لتعود من جديد في دورة فقر لا تنتهي تحت شبابيك الجمعية وخلف أبوبها الحديدية. أجزم بأنه لو كل جمعية خلقت برامج انتشال الأسر وأبنائها وبناتها والتكفل بهم بشكل كامل من خلال برامج الرعاية الكاملة لانتهت حالات الفر، أو لنقل لتقلصت إلى حدودها الدنيا. [email protected]