ارقد شامي كابور بسلام يا نجم بوليوود اللامع في الستينات. رقصتَ وغنيتَ وغازلتَ الحبيبة، ونفختَ حس الفكاهة في الأفلام. وأنقذتَ حياتي من غير أن تدري. وقبل رواج الافلام الهندية الموسيقية الراقصة في الغرب، لاقت أفلام بوليوود رواجاً كبيراً في الشرق الاوسط. وفي الستينات والسبعينات والثمانينات، ذاع صيت نجوم السينما الهندية من أمثال راج كابور، شقيق شامي الاكبر، وميتاب باشان، وراجيش خانان، من طهران الى تونس. ووقع المشاهدون العرب في شباك موسيقى الافلام هذه وأداء الممثلين الراقص. وأكثر ما أحبوه في افلام بوليوود هو الميلودراما، وهي مدار حبكة الافلام هذه يومها. واليوم، يتابع العرب افلام ال «آكشن» الهندية السريعة الوتيرة. وشعبية شامي كابور كبيرة في العراق. ولم أفهم يوماً سبب حب العراقيين له. ويبدو أن طريقة رقصه كأن في سرواله نملاً، وظهوره في صورة الشرير المحبب الى قلوب المشاهدين، وجمال ذقنه المكتنز، حفظت له مكانة اثيرة في بغداد والبصرة في أوساط جيل لم ينس افلاماً، مثل «تسري منزل» و«ديل ديكي دكو»، سلبت الاضواء من الافلام المصرية الرائجة. والحق أنني لم أكن من محبي شامي كابور. فأداؤه التمثيلي المبالغ فيه لم يرق لي يوماً. ولكنني وجدت أن السبيل الى التقرب من العراقيين هو سؤالهم عما إذا كانوا يذكرون شامي كابور. ولحظة إلقائي السؤال، يتسلل الحنين الى عيون محاوري، وتغشي عينيه نظرة ضبابية. ويبدأ بتذكر مشاهد مفضلة من أفلامه، ويردد صرخته الشهيرة «ياهو» من فيلم «جنكلي» (المتوحش). ثم يسأل الواحد منهم عن أخبار كابور اليوم، وعما يفعله. فأجيب بأنه في صحة جيدة، ونبدأ بالدردشة وتجاذب أطراف الحديث كما لو اننا خير الأصدقاء. وفي صيف 2003، عملت مراسلاً صحافياً في بلدة صغيرة غرب بغداد كانت بؤرة الموالين لصدام. وأجمعتُ ومترجمي على أن لون بشرتي الأسمر لا يثير الشبهات في المنطقة هذه. وذات يوم، ذهبنا لمقابلة «كولونيل» في الخمسينات من العمر له شارب كبير هو مسؤول عن قيادة المقاتلين في البلدة. وتحفظ في الاجابة عن اسئلتي. وبعد لحظات سألني بالانكليزية: لحساب من تعمل؟ وأجبت عفوياً: «تايم ماغازين». فعبس، وبدا الغضب عليه وصاح قائلاً: «تايمز اللندنية»؟ فقلت لا «تايم الاميركية». فسحب بندقية ووجهها الى رأسي، وسألني: «أنت أميركي؟». «أنا من الهند» أجبتُ. وقال: «انت اميركي وستموت». وصحتُ مذعوراً من غير تفكير: «أنا هندي مثل شامي كابور». صمت الكولونيل وقال: «أنت تعرف شامي كابور؟» فأجبت بالايجاب قائلاً أنا هندي وكلنا نعرف شامي كابور. فهو نجم كبير. فخفض الكولونيل البندقية، وتراجع قليلاً، وسألني هل حقاً تعرف شامي كابور؟ فأجبت: «نعم، نعم أعرفه». «يعجبني شامي كابور، شاهدت في شبابي كل أفلامه»، قال مبتسماً. أجبت كاذباً «وأنا أيضاً». «ما كانت صرخته»، سألني. قلت «ياهو». ابتسم، وتبدد الخطر عن حياتي. وحبذا لو يسعني القول إن الحادثة هذه كانت فاتحة صداقة مع الكولونيل. فهو أصر على مغادرتي البلدة جراء عملي في مجلة أميركية. وفي قرارة نفسي، عرفتُ أنني أدين بحياتي الى شامي كابور. * مراسل، عن «تايم» الاميركية، 29/8/2011، اعداد منال نحاس.