في الماضي كانت سيارات سائقي الأجرة متهالكة لا تكاد تفي بمهمتها في إيصالهم إلى مبتغاهم إلا بشق الأنفس، وما يلحقهم في سفرهم من مشقة تدفعهم مكرهين إلى تتبع الرخص في السفر خصوصاً في شهر رمضان. العمل بالرخصة يكون آخر الحلول بعد أن أتعبهم الانتقال من منطقة إلى أخرى وقطع مئات الكيلو مترات، إلا أنها مهنتهم التي تكفل لهم مصدر رزق تمنح أفواههم لقمة عيشٍ كريمة، فيفطرون في نهار رمضان قاطعين على أنفسهم عهداً غير معلن بالقضاء في أيام الشتاء التي تمتاز ببرودة الطقس وقصر ساعات النهار. لكن السنوات الأخيرة جادت بمركبات متطورة أسهمت إلى حدٍ كبير في تغيير هذا التوجه على حد وصف سائق الأجرة محمد السفياني الذي تجاوزت صداقته مع الطرق الطرق الطويلة 30 عاماً، مبيناً أن مجاراة الزمن من حيث استبدال موديلات المركبات بالأحدث يعتبر هدف غالبية زملاء مهنته، مؤكداً نجاح كثيرٍ منهم في تحقيقه. ولفت السفياني إلى أن مشاريع توسعة الطرق افسحت المجال لقطع المسافة في وقتٍ قياسي، حتى أضحت مشقة السفر معدومة باعتبار المركبات ذات مواصفات عالية تسهم في خلق أجواء مريحة. وفي وصف لحال سائقي الاجرة مع المسافات في العقود الماضية، أكد سعود الروقي أن كثيراً منهم لا يكاد يودع شهر الصوم إلا ببقاء يومٍ أو يومين وربما تصل إلى عشرة أيام أو تتجاوزها في بعض الأحيان وفقاً لظروف السفر، فيلزمها القضاء. وأوضح أن تطور السيارات وتنوع وسائل الراحة فيها كانا رحمةً لهم، وأضاف: «في الماضي على رغم قسوة الحياة إلا أنني عاصرت بعض السائقين يعايش شهر الصوم بخطةٍ بديلة، إذ يمتنع عن السفر في رمضان ويستبدله بنقل الركاب بين الأحياء والأسواق في ساعات الليل»، مشيراً إلى أن هذا التصرف فيه احتراز من الإفطار في رمضان؟ وقال: «على رغم انني شارفت على بلوغ ال 50 من عمري إلا ان لدي قدرة على قطع مسافة 700 كيلو متر دون إفطار، يساعدني في ذلك المركبة التي امتطيها والتي تتفوق على سابقتها بكثيرٍ من المزايا المريحة». وفي موقف سائقي الأجرة في الطائف، يظهر سعيد الحارثي المعروف في صفوف السائقين ب»سعيد مزيكة»، حاز هذا الاسم لتعمده رفع صوت الأغاني الصاخبة عند مغادرة موقف سيارات التاكسي وقيامه ببعض التصرفات البهلوانية ما جعله مسلياً لزملائه وصاحب شهرة في أوساطهم. ويقول في حديثه جزءاً من يومياته وتجاربه التي خبرها من سفراته المتعددة، إن ثقافة ونفسيات الركاب تعتبر أمراً أساسياً يحدد في ضوئه مستوى الأريحية التي تتمتع بها الرحلة. وتابع: «البعض منهم يبادلك أطراف الحديث ويجذبك إلى عالمٍ بعيد عن مشقة السفر يقابله آخرون متثاقلون تشعر بالندم على أنهم رفقاء في السفر، لكن يظل احترام شعور الصائمين أمراً يتحتم الالتزام به داخل المركبة فلا مجاهرة بالأكل والشرب أو التدخين أو حتى الكلام الخارج عن حدود الأدب واللباقة».