تحتفظ الذاكرة مسبقاً بكثير من الأمور الإيجابية عن شهر رمضان، والروحانية الجميلة التي تتملك النفس المسلمة طوال الشهر الفضيل، وما يتبع ذلك من تهذيب للنفوس وتعامل حسن مع الآخرين، بشكل يفوق ما يحدث في بقية العام، ولكن تبقى بعض الشوائب التي تعكر جمالية الشهر المبارك، وهي بالمجمل قليلة إلا أنها موجودة بالنهاية كواقع، ونتحدث هنا عن الساعة الأخيرة قبل الإفطار وما يجري فيها من تصرفات تشوّه صيام بعض وتفقدهم كثيرا من الأجر الذي يحتسبونه عند ربهم. مشهد متكرر يوقف مشعل وهو شاب عشريني مركبته بشكل مستعجل عند محل للبقالة في الحي الذي يسكنه، كان يعلم أنه سد الطريق لخروج مركبة أخرى ولكنه لم يعبأ وظنه أنه سينتهي سريعاً من شراء أغراضه، وعند خروج السائق الآخر من المحل يفاجأ بالمركبة التي سدت عليه الطريق، ليتفرغ لإطلاق صوت بوق السيارة بشكل متكرر، وبعد خروج مشعل من المحل يبدأ فاصل من الجدل بين الاثنين كاد يتطور إلى اشتباك بينهم ولكن تدخل بعض المتسوقين منع تفاقم الأمور، فيما أمطر كل منهم الآخر بسيل من السباب الذي لم يتوقف حتى رحيلهما من المكان، ويعلق البائع الآسيوي في المحل شهيد الحق على ذلك بالقول : لقد صار مشهداً يومياً بالتفاصيل نفسها، ما يتغير هم الأشخاص فقط، ونقطة الخلاف تكون إما على مواقف السيارات أو لأمور أقل أهمية مثل تجاوز الآخرين عند الكاشير، بعدها يبدأ الخلاف الذي قد يتطور إلى اشتباك، حقيقة أستغرب التغير في أسلوب التعامل من كثير في الشهر الكريم، أعلم أنه شهر الخير وفرصة للتسامح، ولكنه عند بعض هو مجرد عادة. أما محمد السبيعي، رجل خمسيني فيسجل مشاهداته على ما يجري قائلاً: نسهب الحديث عن التأثير الايجابي لشهر الصوم علينا بشكل نمطي تقليدي، ولكن ما أراه أن ذلك صار محصوراً في الجوامع لدى بعض الذين لا يلقون بالاً لتصرفاتهم وتعاملهم في رمضان، وكل ذلك بحجة الصوم، مع ربط مشين بين التصرفات العدائية والصوم، وهو أمر مؤلم ومزعج، نشب يوم أمس خلاف أمام منزلي بين صاحبي مركبتين على أحقية المرور قبل صاحبه، رغم أن المسافة هي أمتار قليلة فقط، وتعالت الأصوات وسط شتائم متبادلة رغم كبر سنهما، أي صوم هذا الذي يصومانه، كما أن جولة بسيطة قبل موعد الإفطار بدقائق يمكنك مشاهدة طرق المدينة وقد تحولت إلى ميادين للسرعة، للحاق بالفطور، وهو ما يرفع نسبة الحوادث بشكل كبير. من جهته يصف رئيس لجنة التكافل الأسري بإمارة المنطقة الشرقية الشيخ غازي الشمري السلوكيات التي تسبق الإفطار من بعض الصائمين بأنها مؤذية وتجرح صيامهم، وأضاف الشمري في حديثه ل"الوطن": للأسف أن أكثر الحوادث والتصرفات السيئة التي تقع تكون في الساعة التي تسبق الإفطار، فهذا رجل ذاهباً لتلبية دعوة إفطار لم يخرج إلا متأخراً فتجده يقود بسرعة معرضاً نفسه والآخرين لخطر كبير، وآخر يريد الانتهاء من شراء احتياجات للمنزل في اللحظات الأخيرة فتجده متجهماً ولا يتعامل بالحسنى مع الآخرين، وهنا نقول أين هم من حديث حبيبنا رسول الله صلى الله عليه واله وسلم حين قال "للصائم فرحتان، فرحة عند فطره، وفرحة عند لقاء ربه" وفي الحديث القدسي "كل عمل ابن آدم له إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به والصيام جنة وإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب فإن سابه أحد أو قاتله فليقل إني امرؤ صائم والذي نفس محمد بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، للصائم فرحتان يفرحهما إذا أفطر فرح وإذا لقي ربه فرح بصومه"، فكم من معكر لفرحة صومه وأجره بسبب بعض التصرفات التي لا تمت لأخلاق المسلم ناهيك عن الصيام وآدابه، يجب أن يعي الجميع أن الصيام تهذيب للنفس، وتقويم للسلوك بشكل رباني، ولا أذيع سراً عندما أذكّر بأن غالبية الفتوحات الإسلامية كانت في رمضان وهو ما يفسر الفهم الذي كانت تحمله النفوس لماهية الشهر الفضيل وعظيم أثره الطيب، شهر رمضان هو شهر للعمل والخير والبركة، لا شهر النوم والكسل، إن أي متمعن في الآداب التي ربانا عليها ديننا لا يسعه إلا أن يتخلق بحسن الأخلاق وأن يكون قدوة للآخرين في كل سلوكياته.