الصحافة ليست فقط مهنة البحث عن المتاعب، بل أيضاً مهنة تجلب المتاعب لمن يعملون فيها الى حد أنها وصلت في بعض الأحيان إلى أن يدفع الصحافي حياته إما ثمنا لموقفه أو أثناء تغطيته الحروب والصراعات، ومن لم يمت بالرصاص يمكن أن يموت معنوياً أو قهراً بين ردهات غرف التحقيق وزنازين الإعتقال فضلاً عن قصف الأقلام وتكميم الأفواه والتضييق في الحصول على فرص العمل. وللإعلامين منظمات ونقابات وجمعيات مختلفة ترعى مصالحهم قدر المستطاع سواء على المستوى الوطني أو الدولي، لكن بعضها يكتفي بالتقارير حول وضع الإعلاميين في العالم، في محاولة للفت الإنتباه إلى مشكلاتهم، لكنها تبقى في معظم الحالات تقارير، ترصد واقعاً من دون أن تقدم حلولاً. إلا أن محاولات جادة بدأت في الفترة الأخيرة لنقل معاناة الصحافيين في منحى جديد يهدف إلى تقنين حمايتهم في شكل يأخذ الطابع الدولي، لا سيما العاملين في أماكن الصراعات والنزاعات وبؤر التوتر، في خطوة تحاول نقل الإهتمام بالإعلاميين إلى مرتبة يمكن القول إنها ملزمة للحكومات، لحمايتهم بدلاً من الإكتفاء بتكريمهم بعد رحيلهم، أو التحسر على الضحايا منهم. وما من شك في أن تكريم الإعلاميين لما يقدمونه من تقارير متميزة يساهم في رفع مستوى الأداء ويشجع على التنافس الشريف ليصب في النهاية في خدمة الرسالة الإعلامية، لكن تكريم ضحايا الإعلام أينما كانوا أيضاً أمر مهم من الناحية الأخلاقية والمعنوية. لقد أدى تفاقم معاناة الإعلاميين إلى ظهور بوادر خاصة تطوعية للدفاع عنهم، تحملت منظمات غير حكومية وشخصيات دولية تلك المسؤولية لتفتح بوابة جديدة في حماية الصحافيين بالفعل أكثر من القول. ومن بين هذه الجهود ظهرت «حملة شعار حماية الصحافي» التي تأسست في جنيف قبل خمس سنوات وتدعمها 38 جمعية ومنظمة غير حكومية ونقابة صحافية تمثل أكثر من 50 ألف صحافي. وتستفيد الحملة من وجودها في جنيف، عاصمة حقوق الإنسان، للتذكير بمعاناة الإعلاميين والحث على أهمية حمايتهم والبحث عن حقوق ذوي الضحايا. وكان لزاما أيضاً التفكير في الإحتفاء بأولئك الذين تحملوا عبء الدفاع عن الإعلاميين، لأنهم تقاسموا معهم الأخطار وتبنوا قضية حمايتهم. لذلك منحت الحملة كلاً من المركز الفلسطيني للتنمية والحريات الإعلامية «مدى» والسفير المكسيكي لويس الفونسو دي البا جائزة «الجهد الدولي لحماية الصحافي» مناصفة، «لدورهما البارز في دفع قضية حماية الصحافيين إلى الأمام». كما أعلنت الحملة اعتبار الرابع من حزيران (يونيو) من كل عام يوماً لتكريم شهداء الصحافة، في تقليد هو الأول من نوعه. وأكدت رئيسة الحملة الدولية لشعار حماية الصحافي هدايت عبد النبي أن اختيار «مدى» للحصول على أول جائزة من نوعها «جاء انطلاقاً من دوره المهم خلال حرب غزة الأخيرة في تعريف العالم بالانتهاكات الجسيمة لحرية الرأي وحرية العمل الصحافي وإغلاق غزة أثناء الحرب أمام التغطية الإعلامية وقصف مقرات إعلامية وقتل 4 صحافيين». أما حصول المندوب الدائم للمكسيك لدى الأممالمتحدة في جنيف السفير دي البا على الجائرة فكان «لدوره الرائد في تبني مشاورات حكومية غير رسمية بين الوفود الدبلوماسية في جنيف من أجل البحث عن طرق جديدة لدعم قضية حماية الصحافيين الأمر الذي وضع القضية على طاولة مجلس حقوق الإنسان ودوائره في جنيف والمجتمع الدولي»، بحسب قولها. وأضافت الصحافية المصرية ل «الحياة» إن جائزة الحملة الدولية هي «بمثابة قوة دفع متجددة للحملة لتعبئة المجتمع الدولي بهدف إيجاد منظومة قانونية دولية جديدة لحماية الصحافيين أثناء الحرب والنزاعات الداخلية وأوقات الخطر»، واعتبرت منح تلك الجائزة «نقطة تحول جديدة في عمل المنظمة الدولية لتعبئة العالم لهذه القضية الملحة والنبيلة». وقالت: «إن الحملة الدولية تحيي في الوقت نفسه ذكرى من قُتل وهو يحمل القلم والورقة والكاميرا في الذكرى الخامسة لقيام الحملة الدولية، وتدعم حقوق الصحافيين الذين قُتلوا وحقوق عوائلهم الذين لن تلتئم جراحهم مدى الحياة». من ناحيته قال سكرتير عام الحملة الدولية الصحافي السويسري بليز ليمبان «إن الجائزة ستقدم سنوياً في الرابع من حزيران لتشجيع الأشخاص والمنظمات والهيئات على دعم جهودهم من أجل حماية الصحافيين». ونوّه ليبمان بأهمية، الجائزة التي تلقي الضوء على أهمية هذه الجهود التي في احترام حق الرأي في معرفة الحقيقة واحترام حق الصحافيين الذين سقطوا ضحايا في الحياة لأنهم كانوا شهوداً وبمثابة عيون العالم في توثيق انتهاكات حقوق الإنسان والانتهاكات الجسيمة للقانون الإنساني الدولي فى بؤر النزاع والأحداث العنيفة». ولم يتمكن الدكتور غازي حنانيا رئيس مجلس إدارة «مدى» من تسلم الجائزة لظروف خاصة وتسلمها نيابة عنه القائم بأعمال البعثة الفلسطينية في جنيف عماد زهيري. لكن حنانيا أكد في رسالة إلى رئاسة الحملة أن حرية التعبير مهمة لكل كائن بشري، ويحتاجها الفلسطينيون أكثر من غيرهم لبناء مؤسساتهم وتطوير مجتمعهم. من جانبه قال السفير دي البا الذي شغل منصب أول رئيس لمجلس حقوق الإنسان إن الصحافيين كغيرهم من المجموعات لهم حق الإستفادة من الجهود الدولية وتحقيق مكاسب لحقوقهم وحرياتهم، خصوصاً حرية الرأي والتعبير. وقال: «إننا مدينون في الكثير من عملنا للصحافيين والمصورين والمراسلين وآخرين يعملون معهم لاسيما من يعملون في ظروف عمل خطرة وصعبة». فهل تكفي جائزة ويوم تكريم سنوي لجنيد مجهول سقط من أجل حرية الكلمة أو هو مهدد دائماً بالسقوط؟! تأسست في سويسرا قبل خمس سنوات جمعية هدفها حماية الصحافي تدعمها 38 منظمة غير حكومية ونقابة صحافية تمثل أكثر من 50 ألف صحافي في العالم.