يعاتب بعض كتاب الدراما من يقول بضعف نصوص السيناريو، تحدثت عن هذا الضعف، وعن أن الأفكار والمشاكل التي نعاني منها ثقافياً وتنموياً هي من يغذي المسلسلات، خاصة الكوميدية الموسمية منها. للتدليل عملياً، انظر إلى المسلسلات الرئيسية الثلاث، لا يزال «طاش» يتكئ على قدرات الثنائي القصبي والسدحان، وأجزم أنهما يرتجلان أكثر مما يحفظان نصاً، وهذا واضح في كثير من الحلقات، أصبح لديهما قدرة على إكمال مشهد كامل بفهمها لبعضهما، ثم بتشربهما للفكرة التي قاما بتمريرها للسيناريست. في مسلسل «قول في الثمانيات» الذي ورث «بيني وبينك»، لا يبتعد الواقع كثيراً، هناك اتكاء على قدرات وخبرات الشمراني، وعلى قفشات وحضور العسيري، وعلى حيوية وبراعة الارتجال عند حبيب الحبيب، وبالطبع على كوميدية الديني العفوية وشكله المميز بينهم. بالانتقال إلى مسلسل «سكتم بكتم»، تجد أفكاراً رائعة، لكن قالبها نصوص مقالية وعظية، وكأنك تقرأ عظة أو مقالة حول حقوق المعاقين، أو مشاكل العصبية القبلية. الأعمال كلها لافتة، وهناك تطور نوعي في الأفكار، حتى وإن كانت تعالج قضايا مزمنة، لكنها تبلور حلولاً، وتوغل في النقد إلى حد إيصال بعض الأمور لأعلى سلطة في البلاد، لكن الحديث يتركز عن صناعة دراما ترتكز على كتاب نص بارعين، وكتاب سيناريو يجيدون التقنيات التلفزيونية، ولن نطمح حالياً في السينمائية. الغريب أن لدينا تجربة إذاعية معقولة لم تنتقل إلى التلفزيون، وهي وإن كانت مرضية إلى حد ما، إلا أن المتأمل فيها يجدها ومنذ سنوات طويلة حكراً على أسماء معينة، لم تتطور لتصل إلى التلفزيون، ولم يتم إدخال دماء جديدة لعلها تقفز إلى التلفزيون وتنقذ الدراما السعودية من مأزقها الشهير، ضعف كتاب النصوص، وفقر كتاب السيناريو. يبدو لي أن من الأسباب هو حداثة تجربة الإنتاج بمعناه التجاري، والتعامل مع المسلسلات كمناقصات أو مشاريع تفوز بها ثلاث أو أربع قنوات محلية، أو مملوكة لسعوديين، هذا التعامل أفرز نظام «الكوتة»، حيث يخصص جزء محدد للممثلين وأجورهم شبه ثابتة، ومثله للإخراج، والكتابة. تأمل في الإنتاج العالمي، تجد أن بعض كتاب السيناريو تتجاوز أجورهم بعض الممثلين والمخرجين المعروفين، لأن الصناعة هناك أدركت أهمية إيجاد نص متماسك، قبل إيجاد مخرج محترف يحيله إلى عمل يدر إعجاباً فأرباحاً فمجداً فنياً وجوائز وخلافه. يوجد استثناء، وهو استثناء مختلف في الملاحم الشعرية الخليجية، التي تحولت إلى مسلسلين حسبما أذكر أحدهما للشيخ محمد بن راشد قبل سنوات والآخر للأمير بدر بن عبدالمحسن هذا العام، وهما عملان يخرجان من هذه الدائرة كونهما يرتكزان على القصيدة التي يتبعها النص، وتوحي بالأجواء والأفكار، وعوالم الشعر غير عوالم الواقع الذي تحاول الدراما تشخيصه أو محاكاته. [email protected]