يتّفق كثير من المسلمين علماء و عواماً، متعلمين وجهلة، أن العين حقيقة واقعة، لأن الأثر النبوي الشريف يقول: «إِنَّ العَيْنَ حَقٌّ وَلَوْ كَانَ شَيْءٌ سَابِقُ القَدَرَ، لَسَبَقَتْهُ العَيْنُ»! ومشكلة الإصابة بالعين أنها مثل بقية الأمراض المعنوية، التي لا يمكن التأكد من أعراضها، لذا لا يمكن الجزم بها، الأمر الذي جعل الناس يتوسّعون في رمي التُهم عليها! وأتذكر أنني كنت أيام- الدراسة الابتدائية- مثالاً للطالب الخائب الكسول، المهمل، البليد، لذا لا غرابة أن يأتي الجزاء من جنس العمل، الأمر الذي جعل الرسوب حليفي، والسقوط قريني الذي لا يفارقني، ولكن إحدى أخواتي – ربّنا يحفظها- كانت تصرّ - دائماً - على أن الأمر ليس إهمالاً وفشلاً مني، بل هو عينٌ «ما صلّتْ على النبي»، عينٌ جاءتني من أحد أبناء الجيران! كم مرة تسمع – أيها القارئ العزيز- أن فشل فلان راجع إلى أن أحدهم قد أصابه بعين؟ مع أن العين حقّ إلا أن هذا الحقّ يمكن أن يُستغلّ من الفاشلين لتبرير فشلهم، والويل الويل لمن يشكّك في الأمر أو يُحاسب الفاشل، لأنه سيدخل في دائرة «إنكار العين»، وبالتالي قد تُرفع عليه قضية، ولا عجب في ذلك فنحن في زمن رفع القضايا وتهم التكفير! ومن العجيب أن هذه العين انتقلت إلى الدّواب والسّيارات، فتجد أحدُهم يهمل سيارته حتى إذا ما أصابها خلل «ما»، قال: إنها «عينٌ»...! وحتى يكون الكلام في مسار الجدّ، إليك هذا السؤال الذي ورد في كتاب «فتاوى علماء البلد الحرام»، إذ يقول السائل: «أخبرني أحد القرّاء أن أحد الأشخاص عَاينَ سيارتَه – أي أصابها بالعين -، فطلب القارئُ من العائن أن يتوضأ، وبعد ذلك قام هو بأخذ هذا الماء ووضعه في «رديتر» السيارة، فتحركتْ السيارة وكأنها لم يكن بها شيء... فما حكم عمله هذا؟ وذلك لأن الذي أعرفه في السنة هو أخذ غسول العائن في حالة إصابته لشخص آخر»؟! وكان الجواب كالتالي: «لا بأس بذلك، فإن العين كما تصيب الحيوان فقد تصيب المصانع والدور والأشجار والصنيعات والسيارات والوحوش ونحوها. وعلاج الإصابة أن يتوضأ العائن، أو يغتسل ويصبّ ماء وضوئه أو غسله أو غسل أحد أعضائه على الدابة ومثلها السيارة ونحوها، ووضعه في «الرديتر» مفيد بإذن الله، فهذا علاج مثل هذه الإصابة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم «وإذا اسْتُغْسِلْتُمْ فَاغْسِلُوا»، والقصص والوقائع في ذلك مشهورة والله أعلم». حسناً، ماذا بقي؟ بقي القول إن العين والحسد وقلة الحظ وسوء الطالع ورداءة النصيب، كلها حقائق ووقائع، ولكن من الظلم أن نُعلّق كل فشل عليها، فكيف ينجح من لا يستعد للامتحان؟ وكيف يجد عملاً من لا يبحث عنه؟! إن الأمور مرتبطة بأسبابها، فمن أراد النجاح فليفعل سببه، وإذا لم يحقق مراده، فليتسلّ بقول الشاعر حافظ إبراهيم عندما قال: لاَ تَلُمْ كَفِّي إِذَا السَّيْفُ نَبَا صَحَّ مِنِّي العَزْمُ وَالدَّهْرُ أَبَى!