فتحت تفجيرات العراق الأخيرة التي راح ضحيتها مئات العراقيين في 15 مدينة باب الجدل على مصراعيه حول أداء الأجهزة الأمنية وخطط الحكومة لمرحلة ما بعد الانسحاب الأميركي، في ضوء إجماع على وجود خلل كبير في الجانب الاستخباري. وقال ضابط رفيع المستوى في الجيش العراقي فضل عدم ذكر اسمه في تصريح الى «الحياة» إن «التفجيرات نتيجة حتمية لما تعانيه المؤسسة الأمنية من إخفاقات إدارية وفنية». وأضاف: «هناك مشاكل على صعيد الاستخبارات والتدريب والخطط وتعيين القادة. في مجال الاستخبارات نواجه مشاكل تبدأ من إدارة الجهاز (أي الاستخبارات) مروراً بجمع المعلومات وتحليلها وتداولها وفق أهميتها كل باختصاصه، وتنتهي بتجنيد المصادر في الشارع، ناهيك عن ضعف التعاون داخل هذه المؤسسة». ولفت «الى أننا نجني ثمار دورات التدريب على أيدي القوات الأميركية والأطلسي في مجال تأسيس شبكة استخبارية قادرة على مواجهة التحديات». وزاد إن «غالبية الدورات التي يقيمها الأميركيون يستعينون فيها بخبراء من بريطانيا وايرلندا وتغطى هذه البرامج من منح دولية ما يفتح الباب واسعاً أمام الفساد». وعن خطط الحكومة لتأهيل قوات الأمن قال: «الى الآن لا توجد استراتيجية وطنية لتأهيل وتدريب الجيش والشرطة تتبناها الحكومة وتنفق عليها في شكل مبرمج». وتابع: «للأسف ما زلنا متخلفين في خططنا الاستباقية ونعتمد بالدرجة الأولى على الصدفة. ففي الوقت الذي تتناسل أجيال القاعدة وتبني خلايا بعقليات ودماء جديدة وتبني تحالفات عشائرية وسياسية، نبقى ندور في فلك إجراءات روتينية تركز على الجيل الأول من التنظيم ومطاردة رموزه. أما مسألة اختيار القادة الأمنيين فهي تثير امتعاضاً واسعاً بين أوساط العسكريين القدامى من طبقة القادة (أي من رتبة عميد فما فوق) بسبب المعيار الطاغي وهو الولاء الحزبي (في إشارة الى حزب الدعوة الإسلامية الذي يتزعمه رئيس الوزراء نوري المالكي) فيما يتم التعامل مع الكفاءات المستقلة على أنها خطر يهدد الموالين». وتدور داخل الوسط العسكري العراقي أحاديث عن صفقات تعيين قادة فرق وألوية غير كفوئين مقابل مبالغ طائلة قد تصل الى ربع مليون دولار. ووصف الخبير العسكري إسماعيل المشكوري، وهو لواء سابق في الجيش العراقي الهجمات الدامية التي طاولت مدناً عراقية أخيراً بأنها «رسالة إعلان وإشهار من المجموعات المسلحة مفادها أن لا أحد يمكن أن يوقفنا ونحن موجودون في كل مكان». وأشار الى أنه «يمكن أن نستنتج من هذه العمليات النوعية أن تنظيم القاعدة جاد في إيقاع أكبر خسائر بين العراقيين أكثر من جدية الحكومة في تطوير قدراتها الأمنية وإجهاض مخططاتها. والأمر الآخر هو مؤشر خطير إلى اتساع دائرة التحالف بين القاعدة وتنظيمات حزب البعث المحظور عبر استقطاب مقاتلين شيعة وبناء حواضن في مدن الجنوب من خلايا نائمة تنشط متى أريد لها». وكان عضو لجنة الأمن والدفاع في البرلمان النائب قاسم الأعرجي عزا في تفجيرات الاثنين الى «عدم مهنية وكفاءة الكثير من القادة الأمنيين في وزارتي الداخلية والدفاع»، فيما قال رئيس المجلس الإسلامي الأعلى عمار الحكيم أن «وقوع كل هذه التفجيرات في وقت واحد وفي يوم واحد يدل على أن هناك عقلاً واحداً يخطط وأن هناك امتداداً وترابطاً بين الجماعات الإرهابية وهذا الأمر يعني أن الإرهاب في العراق ما زال يتحرك ويمتلك الأذرع ويتواصل في المحافظات». واعتبر قائد القوات الأميركية في وسط وجنوب العراق الكولونيل سكوت يفلان التفجيرات بأنها «محاولة من المتمردين لاستعراض قوتهم والتقليل من قدرات القوات الأمنية المحلية». وأكد في بيان أن «هذه المأساة توضح استعداد الإرهابيين بأنانية باستخدام الأبرياء أدوات في لعبة سياسية». وكانت الكويت وسورية بالإضافة الى الولاياتالمتحدة وبريطانيا والأمم المتحدة دانت في بيانات هجمات الاثنين.