العرب اليوم أحوج ما يكونون إلى مصارحة أنفسهم بالحقيقة. فمعظم أحلامهم وطموحاتهم أنتجت عكسها: انتهاكات حقوق الإنسان، المجازر الجماعية (وآخر مثال ما يجري وجرى في ليبيا) والاستبداد المتزايد، والجمهوريات التي ناضل من أجلها العرب باتت أشبه ما تكون بالملكيات الصارمة. التفكير بمستقبل العرب اليوم لم يعد حكراً عليهم. فالتدخل في شؤونهم بات حاجة وسياسة دولية في الوقت نفسه. ثمة حاجة إلى نقد ايديولوجيا النهضة كما تجلت في الخطاب العربي المعاصر. والنقد هنا ليس مطلوباً لذاته، بل بغية إعادة ترتيب أولويات الخطاب العربي من جديد. فما يرى بعضهم أنه يمثل أولوية على صعيد مهامه العاجلة لا يدخل في حساب المجتمع العربي بشرائحه المختلفة والمتعددة. إنه ليس من أولوياته فحسب بل ليس مدرجاً في القائمة أصلاً، فاندماج خطاب المثقفين مع هموم المجتمع جزء رئيس من إعادة صلة النخبة في علاقاتها بمجتمعها بعد عقود من القطيعة والابتعاد. إننا نلاحظ طموحات للمثقفين طافرة، غير أنها لا تقف بطموحاتها على واقع المجتمع ورغباته الحقيقية. ومما زاد ذلك سوءاً أن الفضائيات العربية نفسها، التي كان يفترض أنها ستخلق هامشاً حقيقياً من الحرية أوجدت نوعاً من «العالم الافتراضي» بالنسبة الى المواطن العربي. إنها ثورة من الحرية على الشاشة فحسب. أما الفضاء أو المجال السياسي والاجتماعي المعني بذلك فيبدو أنه عصي على التغيير أو حتى النقد. هذه الفضائيات خلقت نخبتها الإعلامية الخاصة بها وتتطارح آراءها عبرها، ولم تستطع مساحة الحرية تلك القيام بتغيير ديموقراطي حقيقي لسبب بسيط هو أن المجال السياسي الذي ما زال يعيش ضمنه المواطن العربي هو مجال استبدادي. إذ من المسموح له أن يتحدث عن الديموقراطية في فلسطين أو العراق عندما كانت تحت الاحتلال، ولكن من الممنوع عنه أن يتحدث عن الاستبداد الداخلي الذي يعيشه هو، لأن ذلك ببساطة لا يدخل ضمن إطار المسموح بالتفكير به. هل هو قدر العرب ألا يشهدوا حريتهم إلا إذا خضعوا للاحتلال؟ هذا بالضبط مغزى التحول الاجتماعي الذي تمر به المجتمعات العربية... * كاتب فلسطيني