يترقب الوسط السياسي اللبناني التفاعلات التي سينتجها الحراك الذي يشهده الأسبوع المقبل في ضوء انعقاد جلستين للبرلمان، الأربعاء المقبل وهي مخصصة لانتخاب رئيس للجمهورية، ثم الخميس لإقرار سلسلة الرتب والرواتب، التي يتوقف عليها تصحيح الأساتذة الامتحانات الرسمية التي جرت بمراقبة منهم، أو استمرارهم بمقاطعتها، مع ما يعنيه ذلك من عودة التصعيد إلى المواجهة بين الهيئات النقابية والحكومة والبرلمان. وتجرى اتصالات بعيداً من الأضواء بين الكتل النيابية، ولاسيما بين كتلتي «المستقبل» و «التغيير والإصلاح»، لتقريب وجهات النظر حول الأرقام المضمونة للسلسلة، بعدما تسبب الخلاف حول ما توفره الموارد من مبالغ تغطي كلفة هذه السلسلة إلى تأجيل جلسة الثلثاء الماضي. أما في خصوص جلسة الأربعاء، فإن لا تبديل في خريطة المواقف التي ستنتج عن اتصالات ولقاءات الأسبوع الطالع، ما يعني أن نواب «تكتل التغيير» وكتلة «حزب الله» سيقاطعونها طالما لم يحصل توافق على انتخاب الرئيس العتيد. إلا أن شريط هذه الاتصالات، الذي يوضح بعض المواقف والمناورات التي يقوم بها كل فريق في شأن الاستحقاق الرئاسي، يتدرج كالآتي: - توقع دعوة العماد عون في مقابلة متلفزة له على محطة «أو. تي. في.» في الساعات المقبلة، إلى الاتفاق على قانون الانتخاب لاستباق بقاء الفراغ الرئاسي حتى منتصف شهر آب (أغسطس) المقبل، حيث سيعود إلى طرح مشروع «اللقاء الأرثوذكسي» لقانون الانتخاب والذي يقضي بانتخاب كل مذهب لنوابه على قاعدة النسبية، والذي سيعيد الخلاف بينه وبين «المستقبل» الذي يعارض المشروع بشدة. ويطرح هنا السؤال عما إذا كان التقارب الحاصل بين عون وزعيم «المستقبل» الرئيس سعد الحريري سيتأثر بطرح عون لهذا المشروع، خصوصاً أن هناك تحضيرات للقاء محتمل بين الزعيمين، أو لاجتماع موفد عوني مع الحريري، في باريس. هذا فضلاً عن أن هذا المشروع كان موضوع توافق ثم خلاف بين القوى المسيحية المختلفة بعد معارضته من «المستقبل» والرئيس السابق ميشال سليمان ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط. ويصر عون على هذا الخيار في وقت ترى القيادات المسيحية الأخرى والبطريرك الراعي، إعطاء الأولوية لملء الشغور الرئاسي. - المبادرة التي تنويها البطريركية المارونية بدعوة المرشحين العماد عون ورئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع إلى لقاء إما ثنائي في البطريركية، أو في إطار رباعي يضم إليهما الرئيس السابق أمين الجميل ورئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية للبحث في إنهاء الشغور الرئاسي بسرعة لأن سلبياته تتضاعف على موقع الطائفة المارونية في السلطة. وأبدى جعجع استعداداً للتجاوب مع طرح البطريرك بشارة الراعي فكرة الاجتماع فيما بقي موقف عون معلقا حيالها. - اللقاء المرتقب بين الحريري وجنبلاط في باريس والذي اتفق على عقده أثناء اجتماع موفد جنبلاط وزير الصحة وائل بو فاعور إلى زعيم «المستقبل» في المغرب قبل يومين. وهو لقاء هدفه استعادة التواصل بينهما بعدما تعذر لقاءهما الشهر الماضي في العاصمة الفرنسية، على خلفية رفض جنبلاط تأييد ترشح جعجع وعون للرئاسة في ظل تساؤلات لديه عن حوار الحريري مع عون، ودعوته للاتفاق على رئيس تسوية. إلا أن أنظار الأوساط السياسية تتجه في الوقت نفسه إلى التطورات الدراماتيكية الجارية في العراق حيث استنفر كبار المسؤولين لرصد مفاعيل التقدم الذي أحرزته «داعش» في عدد من مناطقه ومجريات الأمور هناك لاسيما لجهة تفاقم الصراع الشيعي السني واحتمالات انعكاساته على لبنان. وهي تطورات استدعت بحثها في مجلس الوزراء الخميس الماضي واقتراح وزير العدل أشرف ريفي وضع خطة طوارئ لمواجهة الانعكاسات المحتملة لهذه التطورات، واقتراح وزير الداخلية نهاد المشنوق أن يترأس الرئيس تمام سلام اجتماعاً للمجلس الأعلى للدفاع بصفته نائبا لرئيسه (رئيس الجمهورية). وفيما تستبعد أوساط متابعة للحدث العراقي انعكاسات مباشرة على لبنان، لأن مناطق تواجد «داعش» في سورية ليست محاذية للحدود مع لبنان التي يتواجد فيها الجيش النظامي السوري و «حزب الله»، فإن أوساطاً أخرى رأت أن خطوات التنظيم الإرهابي غير متوقعة لاسيما أنها مرتبطة في أحيان كثيرة بجهات مخابراتية. وتقول مصادر سياسية إن الأنباء التي تحدثت عن استنفار حزب الله المزيد من مقاتليه، إذا صحت، تؤشر إلى أنه سينغمس أكثر في المعارك السورية في ضوء ما قيل عن أن ميليشيات عراقية شيعية تقاتل إلى جانب النظام في سورية (لواء أبو فضل العباس) اضطرت للانسحاب إلى العراق بعد التطورات فيه ليحل مكانها مقاتلو الحزب. ويخشى غير مصدر سياسي من أن يؤدي جموح «داعش» في المواجهة مع مناطق شيعية في العراق، وتحديداً في بغداد ومحيطها إلى تفاقم المواجهة الذهبية وحصول أصداء سلبية لها في الساحة اللبنانية. وهذا ما يستدعي الحذر وبذل الجهود لعزل لبنان عن هذه الاحتمالات.