يمثل مسجد الصحابي الجليل عبدالله بن عباس علامةً فارقةً في محافظة الطائف تاريخاً وأثراً، فمرت عمارته وتجديده بمراحل عدة، بدأت ببناء مسجدٍ في الموضع الذي كان يصلي فيه ابن عباس وحتى الأمس القريب. لعبدالله بن عباس سجل حافل في صفحات التاريخ الإسلامي باعتباره راوياً للحديث وعالماً وفقيهاً زاهداً في الدنيا، معتزلاً الفتن التي عصفت بالدولة الإسلامية في ذلك الوقت. وتوفي ابن عباس الذي كان يلقب بحبر الأمة وترجمان القرآن في الطائف سنة 68 من الهجرة النبوية، في أيام عبدالله بن الزبير وهو ابن 71 سنة، وصلى عليه محمد بن الحنفية بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وقال: «اليوم مات رباني هذه الأمة». عن بناء المسجد يقول المؤرخ عيسى القصير في حديثه إلى «الحياة»: «إن ذلك تم في سنة 592، في عهد الخليفة الناصر لدين الله أبي العباس المستضيء بأمر الله العباسي الذي تولى الخلافة سنة 575 إلى سنة 623 هجرية، لافتاً إلى أن بناءه قديم ويشتمل على أربعة أروقة في الجهة القبلية ومنبر من خشب فيه عشر درجات، وعليه قبة صغيرة من الخشب، ليس بينهما وبين سقف المسجد إلا نحو شبرين، وأمامه باب على يمينه محراب من رخام من قطعةٍ واحدة، وحوله بناء مبلط بنورة، وللمسجد ثلاثة أبواب في يمينه ويساره وفي جزئه الخلفي إلى جانب المنارة من جهة الركن الشرقي". وبين القصير أنه تم تجديد عمارة المسجد والقبة والمنارة في عهد الملك المظفر يوسف بن عمر بن علي ابن رسول صاحب اليمن في سنة 675 هجرية، وجددت عمارته وجدرانه وبعض أروقته بعد سنة 700، بيد أنها عمارة ضعيفة تم تجديدها بعد سنة 900. وفي تاريخ التجديد والترميم للمسجد يذكر القصير أنه تعرض للتجديد سنة 1047 هجرية، بأمر أمير الحج المصري رضوان بك، وتم تبييض قبة المسجد وبناء منارة في عهد حاكم الطائف شركس بن عبد الملك الشاووش، وكان الفراغ من عمارتها في شهر ذي القعدة من نفس السنة، ثم جددت عمارته وجدرانه وبيضت أروقته سنة 1061 هجرية، فيما جدد أيضاً بعمارة منتظمة على الرسم الأصلي في سنة 1071هجرية في عهد الشريف زيد بن محسن بن أبي نمي وحاكم الطائف أحمد بن ريحان، وأحدثت في وسطه عمارة رواقين بإشارة قاضي مكة سنة 1081 هجرية، وفصل بينهما وبين القبور التي تقع في مؤخرة المسجد بجدار. وأضاف: «أحدث الشريف صاحب مكة محمد بن بركات بن حسن بن عجلان الحسني قبوراً لجماعته، وأمر والي الشام محمد باشا العظم بزيادة البناء 32 ذراعاً طولاً ومثلها عرضاً سنة 1193هجرية، وجددت عمارة المسجد في عهد والي جدة حسن باشا سنة 1233 هجرية». ويلفت القصير إلى أن القبور زادت في المسجد العباسي وكثرت حتى امتلأ نصف صحن المسجد بها، حتى نهى الشريف زيد بن محسن عن الدفن فيه. وبين المؤرخ الطائفي أن للمسجد أربعة أروقة في قبلته، «وهذه العمارة غير العمارة القديمة التي كانت في العصر المتقدم، فأروقة المسجد في قبلته خمسة، منها ثلاثة أروقة مقابلة لضريح بناه أحمد باشا الحجازي سنة 1237 هجرية». وأشار إلى أن عام 1260 هجرية شهد تجديداً آخر لعمارة المسجد وترميماً لقبته في عهد حاكم مكة الشريف محمد بن عون، لتتبعه زيادة في عمارة المسجد العباسي سنة 1283 في عهد محمد حسين باشا هجرية، لحق به فتح باب آخر للمسجد بأمر الوالي على الحجاز أحمد رشدي باشا الشرواني سنة 1291، إلى جانب عمل رواقين جديدين في مقدم القبلة سنة 1295. وفي القرن الماضي بحسب القصير أضيفت مقبرة عامة كبيرة لموتى المسلمين تقع جنوب المسجد، وهي مستمرةٌ حتى اليوم، «كما يدفن الموتى أيضاً في مقبرة الشهداء من الجهة الشرقية لمسجد عبدالله بن عباس الذي يقع والقبور المحيطة به خارج سور الطائف الذي أنشئ سنة 1214، الذي هدم في عهد الملك عبد العزيز آل سعود رحمه الله بتاريخ 5/8/1368 هجرية سنة 1378ه». أما العمارة الأخيرة والمستحدثة حتى اليوم فكانت في عهد الملك سعود رحمه الله الذي أمر بعمارة المسجد العباسي عمارةً كاملة أعادت بناء مناراته وأبوابه وزادت في مساحته نحو الغرب أكثر من ضعفه، حتى تم الانتهاء من عمارته سنة 1381.