تسير حالة «التيار الوطني الحر» وزعيمه من سيّء إلى أسوأ. ها هم حلفاؤه يخذلونه في مجلس النواب ويطلبون إعادة النظر في الورقة المقدمة من الحكومة بوضع 1.2 بليون دولار بتصرف وزير الطاقة لانفاقها على زيادة انتاج الكهرباء في لبنان. المقصود ب «حالة التيار» ليس سعة تمثيله او ضيقها وليس تطابق سياساته مع مصالح ناخبيه او عدمها، فكثيرة هي التيارات السياسية والأحزاب اللبنانية التي تُنشأ للقيام بمهمات تخدم طوائف محلية او دولاً أجنبية وتستمر بحكم الحاجة. بل ما يدعو إلى الاهتمام هو ذاك التوتر المتفاقم عند قادة التيار وممثليه في الحكومة، ومن بينهم وزير الطاقة، وفي مجلس النواب. وإذا كانت «فلتات لسان» النائب ميشال عون قد باتت من المواد الإجبارية في «الأدب السياسي» اللبناني، فإن مشاهدي نشرات الأخبار وقراء الصحف يتعرفون في تصريحاته على كل ما يميز «العقل» الريفي في بلادنا من قلة دراية بأحوال العالم ونزعة بطريركية وتذاكٍ غير مستند الى اطلاع كاف. «العقل» هذا هو ما يبرر تأنيب عون رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ووزير المال محمد الصفدي بأسلوب أقل ما يقال فيه أنه أشبه بالردح على سطوح بيوت القرية منه بخطاب زعيم أكبر كتلة نيابية مسيحية. وعون حر طبعاً، في ابداء استيائه من أداء حلفائه في الحكومة التي يتصور انه هو من جاد بها عليهم. بيد أن هذا نصف تشخيص للحالة العونية. من يريد، او يتحمل، رؤية النصف الثاني، عليه الاستماع وقراءة ما يتفوه به وما يكبته أنصار «الوطني الحر»، صبح مساء، في شأن التطورات والثورات العربية، وخصوصاً تلك الأقرب في الجغرافيا اليهم والأقوى في التأثير عليهم، عنينا الثورة السورية. وإذا كان ميشال عون قد حمل منذ أعوام عدة، مهمة الناطق غير الرسمي باسم «تحالف الأقليات»، واضعاً نصب عينيه التحذير من خطر الأصولية السنية والتبشير ببركات المسيحية المشرقية المتآلفة مع غيرها من الجماعات التي تعتبر نفسها مهددة (باستثناء اليهود بسبب لزوم التحالف مع «حزب الله»، والدروز الذين لم يسرٍ التيار الكهربائي بين عون وبين زعيمهم وليد جنبلاط)، فإن الصحافيين الموالين لعون، يبدون كمن هبط من المريخ حاملاً قصصاً عن الإمارات السلفية المزمع إعلانها في نواحٍ عدة من لبنان سيراً على سابقاتها السورية التي يسارع نظام الرئيس بشار الأسد إلى تفكيكها. ولا داعي للرد على التهويمات العونية – الاقلوية بمثلها. فعلاقات الجماعات في المشرق العربي سادها الكثير من التجاوزات التي ارتكبت تحت غطاء مذهبي او ديني، في حين كمنت اسبابها الواقعية في أزمات سياسية واقتصادية كانت تعيشها الدول العربية والاسلامية التي حكمت منطقتنا. من قسوة الفاتحين ذوي الطباع والنزعات الحربية، إلى سلوك سلاطين استبدوا فغالوا في التمييز كالحاكم بأمر الله (الفاطمي...)، إلى صراعات المماليك والشيعة والاسماعليين، وصولاً الى سياسات السلطنة العثمانية التي لا يمكن القول انها نموذج في التنوير والعقلانية. لكن كل هذا وغيره، كان ابن عصره وبيئته وظروفه. أما تعميمه ونقله الى الحاضر، وتحميل طائفة بعينها مسؤولية تاريخية عمّا كانت هي أيضاً تعاني من ظلم، فيحمل من سمات التعميم والأفكار النمطية وسوء النية الكثير. مهما يكن من أمر، يتصاعد العصاب في صفوف كثير من السياسيين ومناصريهم ممن راهنوا على امساك الاقليات بزمام السياسة والاقتصاد والأمن في المنطقة بذريعة ضمان البقاء والوجود. ويغفل هؤلاء ان الضمانات المطلوبة تقدمها الشعوب الحرة وليس دبابات الأنظمة المتهاوية.