يعترف نائب رئيس الجمهورية العراقي طارق الهاشمي ب «الالتباس» في الموقف الرسمي العراقي تجاه أحداث المنطقة، ويعزوه الى «غياب المشروع الوطني الموحد»، لكنه يرى ان فرصة الإصلاح في سورية «ضاعت». الهاشمي وفي حوار مع «الحياة» يعتبر ان طهران لم تكن قلقة من الوجود العسكري الاميركي في العراق. ويطالب رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي الاختيار بين «الفيتو المذهبي» و «دولة المواطنة»، ويرى ان بعض المسؤولين في العراق «لا يطيق التعايش مع الآخر، لا لشيء الا لأنه آخر». هنا نص الحوار: هل كان ترشحكم لوزارة الدفاع لإجبار المالكي على قبول مرشحين كان اصر على رفضهم سابقاً؟ - لم أرشح نفسي لوزارة الدفاع، كما أن كتلة «العراقية» لم ترشحني رسمياً، وبالتالي أنا لا أنافس العديد من الشخصيات العسكرية والمدنية الكفوءة والمؤهلة لمنصب وزير الدفاع التي رشحتها «العراقية» رسمياً. الأمر لم يتعدَ اقتراحاً تقدم به بعض الأخوة ولقي في ما بعد تأييداً، وقد أعلنت استعدادي لتولي المنصب إن كان ذلك يصب في مصلحة بلدي. التصريحات التي صدرت من بعض أعضاء «ائتلاف دولة القانون» كانت متوقعة، والغرض أن تبقى الوزارات الأمنية رهينة الائتلاف المذكور حصراً لأطول فترة ممكنة. بعضهم قال إن وجود الهاشمي في وزارة الدفاع سيعني ان قرار الوزارة سيكون مستقلاً؟ - لا. هذه توقعات ليست في محلها، أنا رجل ذو تجربة وخبرة في العمل الإداري أؤمن بروح الفريق الواحد في العمل، وأتحرك في إطار الصلاحيات التي توفرها التعليمات النافذة ولا أتعداها. لكن المالكي قال ان منصب القائد العام للقوات المسلحة يمتلك «صلاحيات مطلقة» وفق الدستور؟ - الدستور أسس لدولة مؤسسات وقانون. لم يمنح صلاحيات مطلقة لأي منصب في الوظيفة العامة. هذا فهم خاطئ يجب تداركه على عجل بتشريع صلاحيات القيادة العامة للقوات المسلحة التي أخذت دوراً يفوق كثيراً حجمها المعتاد على حساب الوزارات الأمنية الأخرى، وإلا فنحن نتجه نحو الاستبداد. بعض قادة «العراقية» يطالبون بنقل توصيف «القائد العام» من رئيس الوزراء الى رئيس الجمهورية. فهل تتبنون هذا المطلب؟ - لسنا في حاجة الى هذا المنصب في زمن السلم، ويمكن الاكتفاء بالوزارات الأمنية ومجلس الأمن الوطني الذي يشارك فيه رئيس الوزراء، ويرأسه رئيس الجمهورية كما هو الحال في مختلف الدول. القيادة العامة للقوات المسلحة مطلوبة في زمن الحرب فقط لتنسيق الجهد المدني مع الجهد العسكري والدفاعي. قلتم اخيراً ان حيفاً لحق بإبناء المكون السنّي، وان المالكي خلال مفاوضات معكم يقارن هذا الحيف بما لحق بالمكون الشيعي عام 1920 هل هذا صحيح؟ - مع الأسف الشديد صحيح. يبدو أن السيد المالكي لم يستطع التخلص من ترسبات الماضي بكل تعقيداته، فطرحه الأخير الذي ذكرته في «قناة الحرة» لا يوحي بنيته المساهمة في تأسيس دولة مدنية حضارية، دولة المواطنة وليست دولة المكونات، وما استشهد به (المالكي) من أمثلة تاريخية تتعلق بعدم مشاركة الأخوة الشيعة بالحكم في بداية القرن الماضي طرح يكرس الطائفية ويوفر مبرراً لأصحاب النزعة التطرفية في إحياء فتنة لعن الله من يحاول إيقاظها. على السيد المالكي أن يحدد موقفه بوضوح، هل هو مع «الفيتو المذهبي» أم مع «دولة المواطنة» التي أسس لها الباب الثاني من الدستور. هل تعتقد ان جزءاً من الخلاف السياسي في اعلى هرم السلطة يتعلق ب «قلق» متبادل بين المكونات العراقية نفسها؟ - ثقافة الشعب العراقي وطنية وليست طائفية. الذي أجهض الفتنة وحافظ على النسيج الاجتماعي هو الشعب العراقي. من غير المقبول أن نقحم الشعب في خلاف مذهبي مفتعل. هذا الجدل من صنع بعض القادة الذين يدعون تمثيل هذا المكون أو ذاك. نحن قطعنا أشواطاً في الانتقال بالعراق من الحالة الطائفية إلى حالة التنافس السياسي الصحية، ثم خطونا باتجاه ا لتكامل وتوحيد الجهود لبناء العراق وإنقاذ الشعب من دوامة الصراع. وبعد كل تلك الجهود يبرز من يدفع باتجاه العودة إلى المربع الأول من خلال ممارسات شاذة لا تفسير لها سوى النزعة الطائفية المقيتة. نعم، أؤكد أن ظلماً لا مبرر له وقع على شرائح معينة وصل حد قطع الأرزاق لمن هو في الداخل أو مهجر في الخارج. نعم، هناك من المسؤولين من لا يطيق التعايش مع الآخر، لا لشيء الا لأنه «آخر». القلق كان وما زال من هيمنة حزب واحد على مقاليد الأمور، لكن يبدو أننا نتجه صوب ذلك من خلال ممارسات تكرس سلطة الحزب وتهمش دور بقية الكتل السياسية. لقد تحسبت الكتل لمثل هذا التحول باتفاقيات واضحة انبثقت عن مبادرة الأخ رئيس اقليم كردستان. لكن سرعان ما تنصل منها «دولة القانون». لكن هناك خلاف حول اتفاق بارزاني؟ - هذه الاتفاقية ذات منطلقات وطنية، وهي تؤسس لإدارة الدولة العراقية الحديثة في ضوء الدستور. فهي تبدأ بتوصيف الشراكة الوطنية الحقيقية، وتحقيق التوازن في إدارة الدولة، ومجلس السياسيات العليا، والوزارات الأمنية، وإقرار النظام الداخلي لمجلس الوزراء وإعادة صوغ قانون هيئة المساءلة والعدالة بما يخدم المصالحة الوطنية، وترشيد المؤسسات الأمنية وإصلاح القضاء وتشريع العديد من القوانين العالقة. هل لمستم موقفاً كردياً واضحاً معكم او ضدكم في تقويم التطبيق؟ - الاخوة في التحالف الكردستاني على رغم جهودهم المتميزة ابتداء من طرح المبادرة مروراً برعايتها، والتنسيق بين مختلف الأطراف، الا أننا كنا نأمل منهم تشكيل لجنة متابعة، وأن يولي السيد مسعود بارزاني اهتماماً أكبر على رغم مشاغله لتفادي مساعي البعض في إجهاضها، والحرص الواضح للإعلان عن وفاتها. ازمة «مجلس السياسات» مثلاً لم تكن تتعلق بتشكيل المجلس لكنها تتركز على التصويت عليه داخل البرلمان؟ - التصويت على مجلس السياسات داخل البرلمان يكسبه الشرعية الدستورية اللازمة من أجل الاضطلاع بدوره الوطني، واعتراض ائتلاف دولة القانون على هذا التصويت مفتعل ومغرض، الكل يعلم أن التصويت في مجلس النواب على المرشح لرئاسة المجلس لا مفر منه لسببين: الأول إن البرلمان يصوت على كل المناصب في أجهزة الدولة ابتداءً من منصب المدير العام، فكيف لا يصوت على رئيس مجلس السياسات، والثاني إجرائي حيث يتعذر نقل نائب من مجلس النواب أو تغيير صفته إلى أية وظيفة أخرى في الدولة الا بعد تصويت مجلس النواب عليه. كيف اذاً انتقل رئيس الوزراء من كونه نائباً إلى رئاسة الوزارة؟ تطالبون ب «التوازن» على اساس الهوية الطائفية والعرقية في الدولة. كيف وعلى اي اساس يمكن تدقيق الهوية لموظفي الدولة؟ - نحن نسعى إلى القضاء على الطائفية السياسية. وفي ما يخص تدقيق الهوية، العراقيون يعرفون بعضهم بعضاً، وهذه ليست مشكلة، التمييز قد يتم من خلال التدقيق بالعشيرة أو المحافظة، وكثير من الذين يتقدمون للتعيين يرفضون للوهلة الأولى لهذا السبب خصوصاً في الوزارات الأمنية. تصرون على ان «الشراكة» هي الحل... لكن رئيس الوزراء يتهمكم بأن تعريفكم للشراكة هو ان يتدخل زعماء الكتل في كل قرار حكومي؟ - ظاهرة الاستئثار بالسلطة تتكرس بمرور الوقت وهناك تفرد واضح بالصلاحيات التنفيذية خصوصاً في الملف الأمني، وتجاوز على الصلاحيات التي منحها الدستور لرئاسة الجمهورية، وتعديات على الصلاحيات الرقابية لمجلس النواب وحتى على القضاء من خلال التغطية على بعض كبار الفاسدين، ناهيك عن ترتيبات غير دستورية وخروقات كثيرة ووصل الأمر حتى الهيمنة على الهيئات المستقلة من خلال ربطها بمجلس الوزراء في حين أن ارتباطها وفق الدستور يجب أن يكون بمجلس النواب. أما بالنسبة للكتل الممثلة لشرائح واسعة من الشعب، فلها الحق في المشاركة في القرار السياسي انطلاقاً من حقيقة أن مبدأ التوافق ما زال معمولاً به ومعتمداً في إطار العملية السياسية. رئاسة مجلس الوزراء تتعامل بازدواجية واضحة في هذا الملف، فعندما تجد أن القرار السياسي المطلوب قد يحرجها. وأنه ينطوي على قدر كبير من المسؤولية تبادر للترويج الى المشاركة، وحالما ينتهي شهر العسل يعود الاستئثار بكل شيء على رغم أن قرارات مهمة جديدة تستدعي التشاور في القرار وتحمل المسؤولية الوطنية المشتركة. تعودنا أن نسمع اللوم على الجميع في حال الفشل على رغم أن الغالبية لم تشارك في القرار، أما في حالة النجاح فإن الجائزة تقتصر على البعض القليل جداً على رغم أن العديد شارك في هذا النجاح؟ انه سلوك عجيب غريب. هناك اتهام آخر يوجه إلى «العراقية» بأنها استخدمت الجدل حول «الاتفاق الامني» مع واشنطن كورقة ضغط داخلية؟ - أولاً لا نية لأحد في تجديد أو تمديد الاتفاقية الأمنية. وهذا هو موقف ائتلاف العراقية، والرغبة التي عرضها المسؤول عن ملف الأمن تتعلق بخدمات التدريب فقط، ويمكن إبرامها في إطار مذكرة تفاهم لا أكثر ولا أقل، وبما أنه منذ البداية أكد المسؤول عن هذا الملف (رئيس الوزراء) أنه لا يستطيع أن يقرر لوحده الموقف من بقاء أو انسحاب القوات الأميركية. إذاً لا بد من التوافق. السؤال الذي طرحته «العراقية» هو: إذا كان التوافق بعد كل هذا التنصل من اتفاقيات أربيل قد أصبح الآن فقط «ضرورة»، إذاً لنعمل على تأسيسه، ولكن هذا لن يتم بالطبع الا بالعودة إلى الالتزامات المتقابلة في إطار اتفاقيات أربيل. الا ترى في ذلك منتهى العقلانية السياسية؟ طرحتم راياً رافضاً لدعوات تحول بعض المحافظات الى اقاليم؟ - ابتداءً. هذه الدعوة دستورية ومشروعة ولا غبار عليها، والدليل على ذلك وجود وازدهار إقليم كردستان، وربما تصبح في ظروف طبيعية الخيار الأرجح، وهذه المسألة تركها الدستور لسكان كل محافظة، ويفترض بالسياسي أن يحترم إرادة الناس. لكن، مجرد الإعلان عن النيات لا يكفي. هذا المشروع كأي مشروع آخر بحاجة إلى مستلزمات نجاح. وبحاجة إلى توافق سياسي وقناعة، ووضوح رؤية، وخطة متكاملة، وتوقيت مناسب، وفوق ذلك لا بد من مبررات قوية، وأن لا يصبغ بصبغة طائفية. هذه المسلزمات غير متوافرة حالياً، والاستعجال في عملية التحول إلى إقليم ستكون محفوفة بالمخاطر، ولذلك أتحفظ عليها. الدعوات التي سمعناها في العديد من المحافظات مفهومة، وهي انعكاس لسوء الإدارة وتردي العلاقة مع المركز، ما خلق لديها شعوراً طاغياً بالظلم والغبن لا سيما في الجوانب الإدارية والمالية والإعمار والقضايا الأمنية، لكن هذه المظاهر الشاذة غير الدستورية من المتوقع أن تبقى قائمة حتى لو تحولت المحافظات إلى أقاليم، ومن باب أولى التصدي للوضع الإداري المختل بهدف إصلاحه قبل الهروب إلى الأمام والتفكير بالأقليم. أقول شخصياً ان التحول بطريقة رد الفعل ومن دون استحضارات أو دراسات أو توافق سيؤدي الى الفشل، ولكن أن يأتي بولادة طبيعية في الوقت المناسب وبعد أن نكون قد نجحنا في تنفيذ نموذج «اللامركزية» التي نص عليها الدستور، وأن لا يأخذ التحول شكلاً طائفياً فإن احتمالات النجاح ستكون أفضل. كيف تنظر الى الموقف الحكومي من القصف الايراني للحدود؟ - القصف الإيراني للأراضي العراقية في كردستان اعتداء على السيادة، وقد استنكرت علناً وأبلغت السفير الإيراني في بغداد بذلك عندما التقيته اخيراً وطالبته بإيقاف هذا القصف الذي أعتبره غير مبرر، مع تفهمي لانزعاج إيران بسبب الهجمات التي تعرضت لها الأراضي الإيرانية انطلاقاً من الأراضي العراقية. موقف الحكومة العراقية الصامت كان مخيباً للآمال في نظر الصحافة والرأي العام في العراق. قلت انك خلال حواراتك مع قادة ايرانيين لم تشعر بأنهم يرفضون الوجود الاميركي في العراق. هل لديك شواهد؟ - في إطار قواعد اللعبة الدولية في العراق والمنطقة هناك مفاجآت كثيرة، وتحركات ومناورات يلتبس على الكثيرين المقصود منها. في السياسة الدولية لا يوجد صديق دائم، كما أنه لا يوجد عدو دائم، ولغة المصالح هي المتحكمة بقواعد اللعبة، وبالتالي إذا كانت أميركا وإيران تقفان على طرفي نقيض في ملفات عديدة تجدهما يلتقيان في ملف معين. إيران كانت من أكثر المستفيدين من احتلال العراق. أسست لنفوذ داخل الأراضي العراقية لم تكن تحلم به، ووجود القوات الأميركية في العراق طيلة سنوات الاحتلال الماضية لم يضيِّق على النفوذ الإيراني بل على العكس النفوذ يتوسع بمرور الوقت. دعني اتسائل: الولاياتالمتحدة في صراع مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية في مناطق عديدة في العالم، وعلى الملف النووي أيضاً، ولكن هل حصلت مواجهة رغم نفوذ الطرفين على الأرض العراقية؟ الاجابة كلا. إذاً لا بد أن تكون هناك تفاهمات شئنا أم أبينا، مباشرة أو غير مباشرة. وهذا الذي ربما دفع احد الديبلوماسيين الإيرانيين الذين التقيتهم أن لا يعبر عن القلق من تواصل الوجود الأميركي العسكري على الأراضي العراقية لما بعد العام 2011. في غمرة احداث «الربيع العربي» كانت المواقف العراقية الرسمية ملتبسة. هل تتفق مع هذا الرأي؟ - غياب المشروع الوطني الموحد في العراق على مستوى الكتل السياسية تسبب بعدم وحدة الموقف الرسمي في العديد من القضايا الدولية. السياسة الخارجية كغيرها من السياسات الوطنية يجب أن تكون متفق عليها وطنياً، وأن تدون وتصدر بشكل كتاب أبيض يكون مرشداً ومرجعاً لوزارة الخارجية وللمعنيين بالعلاقات الدولية والأمن القومي وبسبب غياب ذلك صدرت من جانب البعض اجتهادات بشكل تصريحات متباينة من موظفين في الدولة زعزعت الثقة بوحدة الموقف العراقي. كيف ترى الوضع السوري الآن. الى اين تتجه دمشق برأيك. ومدى تأثير الاحداث في سورية على العراق؟ - أشعر بالحزن الشديد عندما أسمع التزايد المخيف في أعداد الضحايا من المواطنين في سورية ودول عربية أخرى بسبب استخدام القوة المفرطة في التعامل مع المحتجين وبخاصة ما حصل ويحصل في حماة، وكان يفترض أن يتم التعامل مع الإرادة الشعبية بطرق حضارية غير طريقة كسر الإرادة سواء في سورية أو في غيرها. حركة الإصلاح ماضية، وكان الأمل في حكمة القيادة السورية أن تبادر بالإصلاح مبكراً، لكن الفرصة يبدو أنها ضاعت. هناك نظرية تقول ان طهران تلوح لخصومها الاقليميين بالعراق مقابل سورية؟ - بصرف النظر عن تداعيات الأحداث في سورية، فإن العراق بلد ذو سيادة، وهو لن يخرج من دائرة نفوذ ليدخل في أخرى. نعم لإيران نفوذ غير مسبوق في العراق، ونحن نسعى لمعالجته. العراقيون لن يقبلوا بالتبعية لأحد. قضية ميناء مبارك وصلت الى مراحل متأزمة. هل تعتقد انه يؤثر بالفعل على الملاحة العراقية؟ - العراقيون عبروا عن مشاعر قلق من مشروع ناجم عن كون خور عبدالله يمثل الممر الوحيد لتجارتهم الخارجية وصولاً إلى أرصفة الحاويات والحمولات الجافة في خور الزبير وأم قصر، ولذا نفترض بالجانب الكويتي أن يقدم من الإيضاحات والضمانات الكفيلة بتوفير ملاحة حرة وآمنة طبقاً لقرار مجلس الأمن الرقم 833. اللجان الفنية ينبغي أن تنشط في هذا المجال.