تضع أم بلال كوز الماء وهو إناء من الفخار، وطبق المهلبية على النافذة ليبردا في الهواء إلى أن يحين موعد الإفطار. ليست أم بلال وحدها، التي تلجأ إلى هذه الحيلة، فكثير من الأسر اليمنية عادت خلال شهر رمضان إلى العمل بالعادات «العتيقة» تلافياً لأزمة انقطاع التيار الكهربائي وانعدام مياه الشرب واستمرار أزمة الوقود وغاز الطبخ. ومع مشهد الظلام الدامس المطبق على المدن، يبدو رمضان محمولاً على أجواء تقليدية تعيد التذكير بأيام زمان حين كان الإنسان أكثر ارتباطاً بالطبيعة. وتتذكر أم بلال أيام كانت تذهب «عصراً إلى البستان لتجلب الفجل والكراث وغيرها من خضروات رمضان الطازجة». ويحلو للبعض أن يرى في رمضان هذا العام وجهاً «رومانسياً» خصوصاً مع استمرار إفطار وسحور اليمنيين في الظلام، إذ تصل فترة انقطاع التيار الكهربائي أحياناً إلى 18 ساعة في اليوم. والتدهور لا يقتصر على خدمات الكهرباء إذ بات ينسحب على مجال الاتصالات أيضاً، وبين حين وآخر ترسل شركات الهاتف المحمول لمشتركيها رسائل قصيرة تعتذر عن الاختلالات في الشبكة مُرجعة ذلك الى انقطاع التيار وانعدام مادة الديزل. ويبدو لافتاً مشاهدة عربة يجرّها حمار محمّلة بالحطب، من أجل استخدامها في عملية الطبخ، ومع بدء هطول المطر شرعت بعض ربات البيوت، إلى وضع أوانٍ فارغة في حديقة المنزل أو تحت مساقط المياه المتجمعة من سطح المنزل، من أجل توفير بديل من المياه المقطوعة أصلاً. وعاد الفانوس إلى الواجهة أيضاً، بيد أن الغرض من استخدامه غير احتفائي بطقس فولكلوري بل ليؤدي وظيفة حقيقية تتمثل بإنارة المنزل أو الطريق، غير أنّ الفانوس الجديد مستورد من الصين ويعمل بالبطارية. وأدى التمدّن الذي يشهده المجتمع اليمني إلى اندثار عادات رمضانية تقليدية ومنها طقس المسحراتي، وتسعى بعض الجهات إلى إحياء بعض التقاليد والطقوس المهددة بالاندثار. وفي سنوات سابقة، نفّذ «بيت الحياة الصنعانية» برنامجاً لإحياء طقس «التمسية»، اذ قاد المطرب عبدالرحمن الأخفش مجموعة من الأطفال طافوا في حارات صنعاء القديمة يطرقون الأبواب وهم ينشدون «يا مساء جئت أمسي عندكم»، وكان هذا الطقس في الماضي يدرّ نقوداً وحلوى للأطفال يحصلون عليها من سكان البيوت التي ينشدون أمام أبوابها. ووفق أمة الرزاق جحاف، المديرة التنفيذية لبيت الحياة الصنعانية، فإن الكثير من الطقوس والتقاليد الرمضانية اندثرت، وبعضها مهدّد بالزوال. وتقول: «كان مقرراً أن ينفّذ البيت خلال شهر رمضان الجاري، برنامجاً يهدف إلى إحياء طقس الغرف الرمضانية الخاصة بالأطفال. وهي عبارة عن غرفة صغيرة من الطين المحروق تقع في ساحة الحارة، تُبنى عادة في نهاية شهر شعبان ثم تُهدَم مع انتهاء شهر رمضان، وتمثل مكاناً يتلاقى فيه الأطفال، ويحملون إليه إفطارهم ويبقون فيه يتسامرون ويروون الحكايات والحزاوي. وذكرت جحاف أن هذا التقليد كان في الماضي، يهدف إلى الحيلولة دون دخول الأطفال إلى المساجد عند الإفطار وإبعادهم عن المنزل كيلا يزعجوا أهاليهم أثناء النهار. وأرجعت جحاف عدم تنفيذ المشروع إلى الأزمة السياسية والاقتصادية التي تشهدها البلاد. وتنطوي بعض العادات والتقاليد الرمضانية على قيم إيجابية مثل التعاون والتكافل. ومن العادات التي ما زال يعمل بها اتفاق مجموعة من الأسر على صنع «اللحوح» والخبز بحيث تتولى ربة بيت طهو كمية تكفي جميع أعضاء المجموعة بمعدل خمس فطائر من اللحوح أو الخبز لكل أسرة. وتضيف: «من شأن هذا النظام أن يريح بقية النساء من إنهاك العمل فيتفرغن لبقية المهمات». وكانت دراسة ميدانية حديثة أظهرت أن غالبية الأسر اليمنية لا تزال تعتمد على الخبز المنزلي في سدّ حاجاتها من هذه المادة، مقابل نسبة قليلة تشتري خبزها من السوق. وشهر رمضان مناسبة للحنين إلى الماضي، وكانت كثير من الأسر تخرج الى الضواحي، كما تحرص على إعداد وجبات شعبية تعتمد مواد محلية من قبيل القمح المحلي المستخدم في الشوربة التي تستخدم القمح المحلي، والبعض يميل إلى الحقين بدلاً من الزبادي، ويكثر استخدام الخل الصنعاني و «العشار» العدني والحلبة الحامضة إضافة إلى الفجل والبقول. ويزداد الطلب على حلويات معينة مثل الرواني والبقلاوة والشعوبية. ومن المشروبات الأثيرة في رمضان الزبيب والشعير والقديد، وما زال هناك من يحرص في رمضان على إقامة الموالد وقراءة القرآن، وكانت بعض العائلات تفضل إعداد السحاوق (الفلفل الأخضر) بواسطة الحجر التقليدي بدلاً من الخلاط الكهربائي، أما هذا العام فأصبح الحجر حلاًّ لأزمة الكهرباء.