لا يوجد دليل على الإطلاق أن الولاياتالمتحدة الأميركيّة ستقرر سحب أسطولها الخامس من البحرين. غير أن من البديهي أن فرق التخطيط الخلفية في كلٍ من واشنطن ولندن قد درست الآن بتأنٍ فائق الخيارات المتاحة وقدمت اقتراحاتها الى سلسلة القيادة. هذا هو الأمر الذي يتم تدريبهم عليه ودفعهم الى القيام به، لذا ينبغي النظر في كافة الاحتمالات. تواجه بريطانيا والولاياتالمتحدة على حدٍ سواء، مشكلةً ديبلوماسية معقدة وحساسة للغاية على خلفية علاقتهما مع مملكة البحرين ومع سكانها البالغ عددهم 729 ألف نسمة. تجدر الإشارة أن المملكة تتمتع بأهمية إستراتيجية كبرى على رغم صغر حجمها، وكانت خاضعة للوصاية البريطانية بين عامي 1820 و1971، أي حتى تاريخ استقلالها. بيد أن علاقات البحرين مع الاتحاد الأوروبي ومع أميركا ترزح منذ شهر شباط (فبراير) تحت ضغطٍ كبير. باختصار، تشهد البحرين حراكاً يهدف الى تعزيز الديموقراطية في البلاد. بيد أن الحكومة البحرينية حاولت الرد على هذا الحراك، ورددت منظمات دولية مهتمة بشؤون الإنسان تقارير عن انتهاكات حصلت في هذا المجال. كما قرر مجلس التعاون الخليجي إرسال قوات مساندة لدعم الأمن في البحرين، وذلك في ظل اتهامات المنامة ودول خليجية أخرى لإيران بدعم حركة الاحتجاج فيها. وعلاوةً على ذلك، يسود القلق في الخليج نتيجة الربيع العربي والثورات الشعبية. تجدر الإشارة أنه، عندما تدعو كلٌ من الولاياتالمتحدة والمملكة المتحدة الى الإطاحة بالعقيد معمر القذافي في ليبيا، وتنتقدان بشدة الصراع الدائر في سورية والخسائر الكبيرة في الأرواح هناك، يتحول وجود السفن الحربية الأميركية والبريطانية الى قضيةٍ كبرى. ويُذكّر الأسطول الأميركي الخامس أن الولاياتالمتحدة هي قوة عظمى، فهو وحده يضم 40 سفينة و30 ألف موظف. وينبغي أن يتم الأخذ في الاعتبار أنه من الممكن تخفيض حجم الأسطول، على رغم عمله في بقعةٍ صعبةٍ وخطيرةٍ للغاية من العالم. إن مهمة الأسطول هي توفير الأمن لمضيق هرمز الذي يتم عبره نقل 40 في المئة من احتياطي النفط العالمي. وقد هددت إيران، بين الحين والآخر، بإقفال المضيق كوسيلةٍ للضغط على العالمين العربي والدولي. وتملك البحرية البريطانية مدمرات وكاسحات ألغام متمركزة في البحرين، كما أن غواصاتها تزور البحرين في المناسبات. ومؤخراً أعلنت وزارة الدفاع البريطانية «أنها لا تنوي في هذه المرحلة الانتقال من البحرين». في حين، يبدو جلياً أن الولاياتالمتحدة وبريطانيا تدرسان معاً عن كثب على هذا الموضوع. من المؤكد أن البحرية الأميركية لا تحبّذ الانتقال من البحرين، نظراً لأنها قاعدة شعبية وناجحة. فضلاً عن ذلك، ربما سيسبب الانتقال الى موقعٍ جديد الكثير من الإرباك والإزعاج، كما أن تكاليف الانتقال ستكون كارثية، لا سيما في هذه المرحلة التي تبلغ فيها موازنة وزارة الدفاع الأميركية 700 بليون دولار تقريباً. وفي الواقع، لا يمكن أن تحصل الوزارة على هذا المبلغ على الدوام، كما أن وزير الدفاع الجديد ليون بانيتا يدرس بشكلٍ طارئ إمكانية إجراء تخفيضات. ولكن، في حال كانت إدارة أوباما ستدعو الى الانتقال، فسيكون مرد ذلك أن وزارة الخارجية هي التي تتولى زمام الأمور. ليس واضحاً على الإطلاق المكان الجديد الذي يمكن أن يتمركز فيه الأسطول الخامس. في حين يبدو أن الإمارات العربية المتحدة هي الدولة الأكثر ترجيحاً لاستقباله، حيث شوهدت ناقلات طائرات ضخمة تابعة للبحرية الأميركية ترسو في دبي. وربما تشكل قطر احتمالاً آخر. لا شك في أن البحرين ستصاب بانتكاسة كبرى في حال رحل الأسطول الخامس عنها نظراً للعلاقات الوطيدة التي تجمع بين البحرين والولاياتالمتحدة منذ أربعة عقودٍ. ثمة عامل مهم يدفع الى السعي خلف البحرية الأميركية: حيث أن وجود الأسطول الخامس في البحرين يؤمن مردوداً مالياً لا يستهان به، كما أنه يشكل وسيلةً لتوفير الأمن ضد إيران التي تقع على مرمى حجرٍ من الخليج. من الواضح أن حكومة الائتلاف البريطانية منزعجة كثيراً من الوضع السياسي القائم في البحرين. ففي نهاية شهر حزيران (يونيو) الماضي، أعلن وزير الخارجية وليام هيغ أمام مجلس العموم المستاء ما يلي: «في حين يحق لكل حكومة المحافظة على القانون والنظام، فإن تعليق الأحزاب السياسية والتحقيق معها واعتقال الزعماء السياسيين المعتدلين، والمزاعم في شأن سوء معاملة المعتقلين، كلّها أمور تشكل خطوات في الاتجاه الخاطئ». منذ ذلك الوقت، عيّنت المملكة المتحدة لجنةً مستقلةً لحقوق الإنسان للتحقيق في الانتهاكات المزعومة في ظل حصول عدة محاولات لإجراء حوار وطني. إن مستقبل البحرين مسألةٌ تخص البحرينيين، ولكن أمام وزارة الخارجية البريطانية طريق طويل. في المحصلة، أعتقد أن القاعدة البحرية في البحرين ستواصل عملها كما في السابق إلا في حال تدهورت الأوضاع أكثر. * سياسي بريطاني ونائب سابق