يمكن لمملكة البحرين أن تعلن بفخر أنها أحد أكثر البلدان استقراراً في الشرق الأوسط. فهي الدولة الوحيدة في هذه المنطقة المضطربة التي لم تشهد يوماً اعتداءً إرهابياً واسع النطاق. ويعتبر هذا شهادة لنجاح العائلة الحاكمة في قيادة مجتمع متجانس. أما العاصمة المنامة، فتعكس صورة مدينة تتّسم بالعراقة والتنظيم والازدهار. وتُعتبر المصارف البحرينية المئة وأربعة عشر من بين المصارف الأكثر متانةً والأفضل تنظيماً في العالم. ويرتفع إجمالي الناتج المحلي للفرد في البحرين، حيث يبلغ عدد السكان مليون نسمة، ومن بينهم 600 ألف مواطن بحريني أصلي، إلى 25 ألف دولار. غير أن عدداً من الأحداث المتفرقة التي شهدتها البلاد أثارت هواجس امنية، فغالباً ما تضطر السلطات إلى تفرقة شبان مشاغبين باستخدام القنابل المُسيلة للدموع والرصاص المطاطي. وفي 26 نيسان (أبريل) الماضي تم القبض على شابين في العقد الثاني من عمرهما، اشتُبه بأنهما يخططان لتنفيذ هجمات إرهابية. وقد وصفهما محامياهما بأنهما شابان متديّنان يمضيان وقتهما بين المنزل والعمل والمسجد. وقد عُثر على بندقيتين من طراز كلاشينكوف في منزليهما، فضلاً عن مسدس من نوع «بيريتا» وسيف وسكاكين مختلفة، إلى جانب شرائط مُسجّلة وكشوفات حساب. وأعلن المدعي العام أنهما أقرّا بامتلاك الأسلحة، وأفصحا عن أسماء شركاء لهما في دول عربية وأجنبية. وخلال الأسبوع الماضي، تذمّر أنور عبدالرحمن، وهو صاحب صحيفة بارزة في البحرين، من أن "عدد المتسببين باضطرابات يزداد يوماً بعد يوم". وفي كتاب مفتوح وجّهه في الثالث من أيار (مايو) إلى رئيس الوزراء البحريني الشيخ خليفة بن سلمان آل خليفة، طالب عبدالرحمن بفرض "عقوبات صارمة وباحترام القانون والنظام"، واعتبر ذلك ردّ فعل لمواطن يشعر بالقلق في بلد لم يعتد، منذ وصول الملك حمد بن عيسى آل خليفة إلى العرش عام 1999، على العنف السياسي. وعلى الأرجح أنّ هذا الحدث الأخير خيّب آمال الملك أكثر من أي حدث آخر، رغم سعيه المتواصل للتخفيف من حدّة التوترات. فمنذ وصوله إلى السلطة، أجرى الملك تغييراً جذرياً في البلاد عن طريق إطلاق سراح السجناء السياسيين، ودعوة المنفيين إلى العودة إلى وطنهم، وصوغ ميثاق وطنيّ. وتمّ إقناع "جمعية الوفاق الوطني» بالمشاركة في الانتخابات والحصول على تمثيل في البرلمان الجديد. وكسبت البحرين بفضل ذلك فترة من الهدوء وفرصة للنمو والازدهار لسنوات طويلة. سارت الأمور على ما يرام لفترة من الوقت. لكن في شهر كانون الأول (ديسمبر) الماضي، في مناسبة الاحتفالات بذكرى تتويج الملك، اضطرت السلطات، في وجه شائعات حول وجود مخطط لتفجير قنابل مصنوعة محلياً، إلى شنّ حملة امنية جرى خلالها اعتقال عدد من الناشطين وراء هذا المخطط. لكن الملك قرر، إثر التمعّن بالموضوع، أنّ ثمة حاجة إلى الإقدام مجدداً على خطوة جريئة لتحقيق المصالحة. فأمر خلال الشهر الماضي بالعفو عن المعتقلين، في خطوة أثبتت حسن نيته ولاقت ترحيباً واسعاً. ومن بين الشكاوى التي تواجه الحكومة مشكلة السكن. وتجدر الإشارة في هذا الصدد إلى أنه يحقّ لكل رجل بحريني بعد الزواج المطالبة بمنزل أو قطعة أرض ليبني عليها مسكناً له. إلا أنه يتم بناء مئات المنازل فحسب كلّ سنة، بينما يصل عدد الأشخاص المدرجين على لائحة الانتظار إلى الآلاف. وبين الشكاوى الأخرى، نقص فرص العمل، ومزاعم عن التمييز في مجال الخدمات المدنية، وفي المدارس والجامعات، وفي القطاع الخاص. وقد نجحت العائلة المالكة الى اليوم في تحقيق التوازن بين الضغوط لإجراء إصلاحات في البلاد، وبين مطلب المحافظة على الوضع القائم. وفي الماضي نجحت المقاربة التدرجية التي استعانت بها لإجراء إصلاحات في البحرين، إلا أنه قد يتوجب على العائلة المالكة اليوم خوض مسار التغيير بسرعة أكبر. إلى جانب ذلك، تشعر مملكة البحرين بقلق نتيجة اتساع النفوذ الإيراني في السنوات الأخيرة، لا سيما بعد اجتياح العراق عام 2003 وتدميره، مما أدى إلى قلب الموازين لمصلحة إيران. وتدرك البحرين تماماً أن أيّ اشتباك مسلح بين إسرائيل وإيران، أو بين الولاياتالمتحدةوإيران، قد يؤدي إلى نتائج كارثيّة لأنّ الخليج سيجد نفسه حينها على خط النار. ولذلك فمن الواضح أنّ للبحرين مصلحة كبيرة في التوصّل إلى سلام إقليمي. لكنها تريد في المقابل، على غرار الدول المجاورة لها، ضمانات تؤكّد أنّ أي انفتاح أميركي تجاه إيران لن يعزّز نفوذها ويضرّ بالتالي بمصالح منطقة الخليج. كذلك، تضم البحرين قاعدة بحرية أميركية يتمركز فيها الأسطول الأميركي الخامس. وطالما رحب البحرينيون بوجود هذه القاعدة على ضوء الحماية التي توفرها لهم ومساهمتها في الاستقرار الإقليمي. لكن لهذه العملة وجهاً آخر. ففي حال وقع هجوم على إيران، يمكن أن تصبح البحرين هدفاً قد تسعى إيران وأصدقاؤها المحليون إلى ضربه للانتقام. لقد اضطرت الدول الخليجية كالبحرين إلى العيش في بيئة محفوفة بالمخاطر. لكن المساعي الهادفة إلى تحقيق التوافق السياسي والاجتماعي الداخلي لا يمكن الا أن تتأثر بالنزاعات الأوسع نطاقاً الحاصلة في المنطقة. * كاتب بريطاني متخصص في شؤون الشرق الاوسط