تظل لشهر رمضان روحانية وخصوصية، فهل يهجر المثقفون القراءة في شهر الصوم؟ وهل يمارس المثقفون في السعودية أو على الأقل شريحة منهم، نوعاً من القراءة الخاصة، يعتقدون أنها تناسب روحانيته؟ هل يُحدث رمضان بالفعل تأثيراً في لياقة القراءة وإيقاعها المعتاد، أم أن الأمر يقتصر على نوعية ما يقرأ؟ «الحياة» سعت إلى استطلاع آراء عدد من المثقفين حول القراءة في رمضان والصيف عموماً، خصوصاً أن شهر الصوم أصبح ضمن فترة الإجازة المعتادة، إذ لا يرى البعض أن للشهر الكريم تأثيراً كبيراً في إيقاع القراءة لديهم، بل ويؤكدون أن الإيقاع يزداد، فتحضر القراءة التاريخية والتراثية وكتب السير أكثر من غيرها، ناهيك عن قراءة القرآن الكريم، فيما ينفي آخرون الطقوس الاستثانية للقراءة في رمضان، وما أسماه أحدهم بتنميط القراءة في هذا الشهر، كما ينفون حضور نوعيات محددة لما يجب أن يقرأ، فالقراءة طقس ممتد، وخطتها لا تتوقف ولا تتأثر، إضافة لما تقدمه المسلسلات التاريخية في رمضان من فائدة تدعم الفكر والقراءة. يؤكد الروائي عبده خال وجود ما أسماه تنميط القراءة في هذا الشهر ويقول: «هذه العادة مرتبطة بجعل رمضان شهر عبادات متكاملة، وعلى إثر ذلك تتحوّل حتى القراءة إلى نوع من العبادة، من خلال اختيار الكتب التي تبقي روحانية هذا الشهر، وهذه الفكرة تم ترسيخها في ذهنية الكثيرين إلى أشبه بالقناعة». ويكشف خال أنه كان سابقاً رهيناً لهذه العادة، «ولكن يبدو أنه كلما كبرت تتخلص من كثير من الأشياء المتعلقة بالتنميط الفكري، وبالتالي بعض العادات السلوكية، ومنها تنميط القراءة في رمضان، فتحولت القراءة لدي إلى قراءة مفتوحة، ليست لها علاقة بكتاب محدد أو شكل محدد أو فكر محدد». وعما كان يقرأه خال عندما كان خاضعاً لما يطلق عليه هو تنميط القراءة يقول: «كنت أقرأ كتب السير وكتب التاريخ والكتب التي تختص بالجانب الديني، اما بالعرض أو التنظير». أما عما يقرأه الآن في رمضان فيقول: «ليست هناك قراءة محددة، ولكن تتم القراءة بقصد تعميق فكرة معينة أو البحث عن نقيض فكرة، وهذا يجعلك أمام كثير من القراءات المتباينة والمختلفة، ما يوصلك إلى مرحلة التنوع القرائي». ويضيف: «شخصياً أنا مغرم كثيراً بقراءة كتب الفلسفة والأساطير، والكتب التي تتناول السرد التحليلي للتاريخ، وليس الاكتفاء فقط بسرده، إضافة للكتب المثيرة للجدل الفكري». وبخصوص وقت القراءة في رمضان قال: «بحكم أنني في هذا الشهر أتمتع بإجازة، فليس هناك وقت محدد للقراءة، وغالباً ما أفضل الوقت الذي يلي السحور إلى التاسعة صباحاً وكذلك ما بعد صلاة التراويح، اذ يوجد أيضاً متسع من الوقت أستطيع أن أقوم بالقراءة فيه». وأشار إلى تداخل المسلسلات الرمضانية ومزاحمتها للقراءة، مضيفاً أنها تنافس متعة القراءة بحكم تناولها للقضايا الآنية والمثيرة، إضافة الى قيامها بإعادة قراءة لسيرة بعض الشخصيات أو مراجعة الأحداث، ومقارنتها بما ورد في أمهات الكتب، التي هي في الأصل رسمت في ذهنك صورة معينة، فتأتي هذه المسلسلات لتعرضها بطريقة مختلفة ومشوقة. وعلى رغم كل هذا فإنني أرى أن هناك وقتاً للقراءة، ويجب ألا يخفت القارئ في رمضان، وألا يواصل نشاطه كما هي الحال في بقية شهور السنة». من جانبها، تخالف خال عضو اللجنة النسائية في النادي الأدبي في أبها عائشة الشهري، مؤكدة أن رمضان شهر كريم يؤثر في كل أوقاتنا، وربما يكون تركيزنا على قراءة كتاب الله وكتب التراث أكثر، بفعل ما نجده حولنا من وسائل الإعلام، التي تتناول كثيراً هذا الجانب، فتكون عاملاً مساعداً في تذكيرنا ببعض القراءات التاريخية والتراثية، وكوننا نجد الوقت متاحاً لنا في رمضان أكثر من شهور السنة الأخرى، ففيه الهدوء والروحانية وتقول: «أجد نفسي في رمضان أكثر استعداداً للقراءة والكتابة الإبداعية، ويفترض فعلاً أن يكون الشهر فرصة أكبر لتكثيف القراءة والاطلاع، ولكن المسألة ربما تختلف من شخص لآخر، ولكن بشكل عام نرى أن ما تحتويه الصحف والأعمدة اليومية والأسبوعية يأخذ طابع التكرار، ربما لأن الأحداث المسيطرة على الوضع الحالي تحتم ذلك، فنرى أن كتاب الأعمدة جميعهم يتناولون مواضيع الساعة عن الأحداث العربية الراهنة ومحاكمة الرئيس المصري، ونجدها تقريباً تحمل الإيقاع نفسه، وبشكل عام أجد أن الإبداع يبدو أقل لدى المثقفين، مع أن حال الإبداع ربما لا تختلف باختلاف الزمان والمكان». أما الكاتب والشاعر زياد السالم، فيشير إلى أن شهر رمضان في السعودية مفرغ من بعده الروحاني، وتحول إلى طقوس استثنائية فاقدة لتجليات المعنى، وعن طقوسه القرائية يقول: «أقرأ يومياً خمس ساعات في الفلسفة وقضايا الإبستمولوجيا والعلم والتصوف والفن بحسب خطة منظمة للقراءة ومنذ أربعة أسابيع»، ويضيف: «ان السينما أيضاً تسحر إضافة لسحر القراءة، ما يضطرني لأن أسافر إلى عمان كل شهر لشراء أعمال سينمائية جديدة ترفد فكري وثقافتي». أما القاص محمد البشير، فيؤكد أن من اعتاد القراءة، لا أظنه يستطيع مفارقتها يوماً ما، وعلى ذلك شواهد تنقل عمن افتتن بالعلم والقراءة، وما أثر عن السابقين من أمثال ابن جرير الطبري، الذي يأمر بالمحبرة والصحيفة، وهو على فراش الموت عندما يسمع بفائدة، وابن مالك الذي حفظ سبعة أبيات من شواهد النحو في يوم موته، وما علمناه من قراءة الشيخ علي الطنطاوي، الذي لا يتنازل عن مئة صفحة يومياً. هذا وغيره نماذج تحتذى في التعلم، والقراءة من أهم الوسائل التعليمية والتثقيفية». وعن القراءة في رمضان يؤكد أن شهر الصوم بما يتميز به من خصوصية دينية تملي نظاماً قرائياً يختلف قليلاً، وذلك للإقبال على كتاب الله وتلاوته، فيأخذ القرآن نصيباً وافراً من جدول القراءة، وهذا نهج الأئمة من قبل مثل الإمام مالك، الذي كان يترك الحديث وأهله، ويطوي الموطأ ويرفعه ويقبل على القرآن. ويضيف: «يجب أن يأخذ القرآن نصيبه من دون إفراط يصل إلى ترك قراءة ما سواه كلياً، وقطع كل ما يصنف ضمن ما ينفع في الدنيا والآخرة، ومن دون تفريط أيضاً، فلا يفتح كتاب الله حتى في رمضان، لذا أخص القرآن بوقت موفور، من دون التنازل مني عما أطالعه يومياً من صحف ومتابعات ثقافية ولأعمدة بعض الكتّاب، وما يضعه الأصدقاء على مواقع التواصل الاجتماعي، وهذا نوع من القراءة أيضاً، أما ما أخصصه من كتب لهذا الشهر الكريم، فأبتعد عن الروايات، وذلك لعلمي بأن بعض الروايات لا تتنازل عن قراءتها من دون توقف، وهذا ما لا أستطيعه في هذا الشهر، فألجأ حينها إلى المجموعات القصصية، كما أعمد إلى قراءة بعض الكتب، التي تعنى ببعض القضايا الدينية، للاطلاع عليها من أصحابها لمعرفة أطروحاتهم».