فرضت تداعيات التطورات في سورية وبيان خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز نفسها على مناقشات مجلس الوزراء اللبناني لدى اجتماعه أمس برئاسة رئيس الحكومة نجيب ميقاتي الذي تحدث عن «الموقف الحكيم» لخادم الحرمين في دعوته الى «وقف العنف وإراقة الدماء والإسراع في الإصلاحات المنشودة»، فيما اعتبر رئيس الحكومة السابق سعد الحريري أن موقف الملك عبدالله «يشكل منعطفاً في مسار الأحداث في سورية» وأن البيانات الصادرة عن مجلس التعاون الخليجي والجامعة العربية، «لا بد من أن تشكل حافزاً للحكومة اللبنانية لإعادة النظر في سياسات الالتحاق الكامل بما يُرسم لها من أدوار سياسية وأمنية وديبلوماسية». وإذ أعلن الحريري أن «الشعب السوري الجريح ومعه قطاعات واسعة من الشعب اللبناني، لا يستطيع أن يتفهم إصرار الحكومة اللبنانية عن النأي بنفسها عن المناخات العربية المستجدة والاستغراق في حالة العزلة التي تجعل من لبنان شريكاً في كل ما يناقض تاريخه الديموقراطي»، شهدت جلسة مجلس الوزراء نقاشاً مطولاً حول الموقف من التطورات في سورية وحول ما تردد من معلومات حول تهريب أسلحة من لبنان الى بعض المناطق السورية، علق عليها ميقاتي بالقول إن لا معلومات مؤكدة حتى الآن. وعلمت «الحياة» من مصادر وزارية أن ميقاتي عرض مبررات الموقف اللبناني في مجلس الأمن بنأي نفسه عن البيان الذي أصدره رئيسه بإدانة العنف في سورية وخرق حقوق الإنسان، معتبراً أن لبنان كان أمام خيار بين تأييد البيان بخلاف ما يريده جزء من اللبنانيين، أو معارضته فيحول دون صدور البيان فلجأ الى سابقة أن ينأى بنفسه. وأكد الحرص على استقرار سورية وأمنها والتوجه نحو الإصلاح، معتبراً أن الحوار هو الطريق الوحيد لتحقيق ذلك. إلا أن وزير الدولة نقولا فتوش انتقد المواقف الصادرة في لبنان حيال سورية، معتبراً أن «موقفنا كان يجب أن يكون الى جانب (قيادة)سورية والموقف في مجلس الأمن لم يكن مبرراً ويجب ألا نخجل بذلك ويجب أن نستند الى معاهدة الأخوة والتعاون والتنسيق معها لأن علاقتنا معها غير علاقتنا مع سائر الأشقاء العرب». وعرض وزير الخارجية عدنان منصور، بناء لطلب ميقاتي، نتائج زيارته دمشق ولقائه مع الرئيس السوري بشار الأسد أول من أمس، فنقل منه تحيات الى الرئيس ميقاتي وتقدير سورية الكبير لموقف لبنان في مجلس الأمن. كما نقل منصور عن الأسد تأكيده أن سورية ستذهب نحو الإصلاحات وتتجاوز الأزمة وأن مدينة حماة أصبحت هادئة والأمور فيها انتهت وأن التعامل الأمني مع المسلحين سينتقل (بدءاً من الأحد) الى منطقة دير الزور. وأوضح منصور أن الجانب السوري قرر القيام بالعملية الأمنية التي قام بها حين طلب الجانب التركي زيارة دمشق، وعقد العزم على إنهائها قبل وصول الموفد التركي (اليوم). كما نقل الوزير منصور ما سمعه من الجانب السوري من تقويم للوضع على الأرض، فأشار الى أن الوضع في مدينة حمص تحت سيطرة مسلحين إسلاميين وأن المدينة مقسمة الى 3 أجزاء: مسيحي، سني وعلوي، بينها خطوط تماس حالت حتى الآن دون المزيد من التنازع وأن الاتصالات قائمة على قدم وساق من أجل تجنيب حمص مواجهة كبيرة. وبعد نقاش بين من اعتبر أنه كان على لبنان أن يقف ضد صدور بيان مجلس الأمن وبين مدافع عن الموقف اللبناني، أكد ميقاتي أن «وزير خارجية البرازيل اتصل يشكرنا على موقفنا باسم المجتمع الدولي قائلاً إن لولاه لكان مجلس الأمن اتجه نحو صدور قرار (لا يحتاج لإجماع) بدل البيان». وأضاف الوزير منصور: «الدول الأعضاء الأخرى، خصوصاً روسيا وجنوب أفريقيا والبرازيل والصين، كانت تشجعنا على الموقف الذي أخذناه لأن أي اعتراض كان سيحرج روسيا، خصوصاً لأنها كانت ستذهب نحو تأييد قرار عن مجلس الأمن وهو أقوى من البيان». وأضاف منصور: «نحن اتصلنا بوزير الخارجية السوري وليد المعلم وأطلعناه على الموقف الذي سنتخذه بنأي لبنان نفسه عن البيان فاعتبر ذلك جيداً وهذا ترك لدينا ارتياحاً». وأثار وزير الدولة علي قانصو (الحزب السوري القومي الاجتماعي) ما ذكر من معلومات عن قيام جهات بتهريب سلاح الى سورية سائلاً عن المعلومات في هذا الصدد، فرد ميقاتي بأنه يتابع الأمر مع مديرية المخابرات، وأن «لا معلومات حتى الآن في هذا الصدد وربما نحصل عليها خلال الساعات المقبلة». وأوضحت مصادر وزارية أن وزير الأشغال غازي العريضي رد على ما أثاره الوزير فتوش، مشيراً الى إشادة الرئيس السوري بموقف لبنان في مجلس الأمن «فهل يعقل أن نزايد نحن عليه هنا؟». وأشار الى أن «المسؤولين السوريين يقولون إنه سيقوم بالإصلاحات وسيسمح بحرية التعبير والتظاهر، فهل يعقل أن يعود لبنان الى الوراء؟ فإذا عبر أحد ما عن رأيه نضربه ونحول دون التظاهر أو نتهمه بالعمالة لإسرائيل وهل هذا يعني التضامن مع سورية؟». وبعد إثارة وزير الصحة علي حسن خليل مجدداً مسألة تهريب السلاح الى سورية ذكّر العريضي بقول ميقاتي أن لا معلومات. فرد ميقاتي بأن هناك معلومات تحتاج الى التأكد، وقال العريضي: «نريد أن نعرف من يسرب معلومات كهذه. في بداية الأحداث اتهموا نائباً بالتورط بذلك وثبت أن هذا غلط. إذا كانت هناك معلومات لماذا لا تعلن رسمياً؟ وهل يجب أن نترك موظفين ومؤسسات تقوم بالتسريب لنعود الى عادات الأجهزة الأمنية المتعددة».