يعاني اقتصاد العالم، إلى جانب اقتصاد الولاياتالمتحدة، وهو الأكبر حجماً، مشكلات بنيوية ما فتئت تتفاقم وإليها تُعزى أزمة المال والركود اللذين ضربا الولاياتالمتحدة وامتدا إلى العالم عام 2008 ولا تزال تداعياتهما ملموسة إلى يومنا هذا. من أبرز العلل في الاقتصاد الأميركي أنه يقوم على أسس تتجاوز قدراته بكثير، فيستهلك أكثر بكثير مما ينتج. وتعود الطفرة الاقتصادية في شرق آسيا، التي اندثرت في بعض البلدان ولا تزال مستمرة في الصين، إلى اختلال كبير في أسعار صرف العملات الرئيسة في العالم أمام بعضها بعضاً، ما أدى إلى تراكم احتياطات ضخمة بالدولار في آسيا وفقاعة ائتمانية في الولاياتالمتحدة. وتعاني منطقة اليورو من غياب الاقتصاد الموحد الضروري لدعم العملة الموحدة، أي اليورو، والسياسة النقدية الموحدة بين الدول الأعضاء. ومنذ وقوع اقتصاد العالم أسير ركود عام 2008، هرعت الحكومات في الولاياتالمتحدة وآسيا ومنطقة اليورو إلى تطبيق سياسات مكلفة لإنعاش قطاع المال والمالية العامة، ما أوقعها في ممارسات إنفاق تستند إلى استدانة كبيرة إضافية، فيما عمدت المصارف المركزية الكبرى إلى طبع النقود وضخها في الأنظمة المالية لبلدانها. وفيما آتت هذه السياسات ثمارها في الأجل القريب بأن أنهت حال الذعر وحققت كثيراً من الاستقرار للاقتصاد العالمي، فشلت في إطلاق دورة اقتصادية ترفع أجور الموظفين والعاملين، وتعزز أرباح الشركات، وتزيد الوظائف الجديدة، وذلك في شكل يعزز الروابط ما بين هذه المحاور الثلاثة، ويسمح للاقتصاد بالنمو بعد تلاشي مفعول سياسات الإنعاش. وقال مؤيدو سياسات الإنعاش إنها ضرورية لتترك للقيادات السياسية والاقتصادية في العالم فسحة لا بأس بها لإصلاح الاختلالات في الأنظمة الاقتصادية. لكن ذلك لم يحصل في سرعة كافية، فاليوم لا بد من إلغاء وظائف وإغلاق شركات وخفض مداخيل وتقليص خدمات حكومية فيما شبح ركود جديد يقترب، إن لم يكن وصل فعلاً. وسيكون على الحكومات تطبيق سياسات تقشف كهذه في الولاياتالمتحدة ومنطقة اليورو (وربما الاتحاد الأوروبي) واليابان والصين وفي عدد كبير من بلدان العالم. ويدعو خبراء اقتصاديون أميركيون مجلس الاحتياط الفيديرالي الأميركي (المصرف المركزي) إلى بيع بعض من الكمية الهائلة من سندات الخزينة الأميركية التي يملكها، في مواجهة هجمة متوقعة من المستثمرين في أسواق المال على شراء هذه السندات الآمنة نسبياً، وستساهم الهجمة على الأرجح في خفض أسعار الفوائد على السندات. ويتوقع الخبراء إن لم يفعل المجلس ذلك أن يسحب المستثمرون المذعورون أموالهم من أدوات مالية منتجة ويرفعوا قيمة الدولار وينزلوا أسعار الفائدة على سندات الخزينة الأميركية إلى مستويات تقل عن معدل التضخم. ويرجحون إن فعل أن يمنح ذاته هامش مناورة واسعاً يسمح له بتجديد الإنعاش المالي في المستقبل القريب. وينصح خبراء اقتصاديون أوروبيون المصرف المركزي الأوروبي بطبع مزيد من أوراق اليورو وشراء مزيد من سندات الخزانة الصادرة عن الدول الأعضاء في منطقة العملة الموحدة والتي يسارع المستثمرون والمصارف في ذعر إلى بيعها. ويحضون المصارف المركزية الأميركي والياباني والصيني على المساهمة في إنقاذ منطقة اليورو بشراء سندات أوروبية لئلا تصيب تداعيات أزمة الديون الأوروبية بلدانها وسائر العالم بأكثر مما أصابتها. ولا يتورع بعضهم عن اقتراح استبدال سندات الدول المحتمل تعثرها، كإيطاليا وإسبانيا وربما هولندا، بسندات أوروبية تتمتع بموثوقية أكبر. لكن في مطلق الأحوال، لا يبدو اقتصادا العالم والولاياتالمتحدة قريبين من استعادة حال من النمو المستدام ما لم يُعمل على تصحيح اختلالاتهما البنيوية، وبذلك تبدو كل المقترحات كفيلة بإطالة عمر مريض بمرضه أكثر من شفائه. وتُعد دعوة الغرب الصين إلى خفض الاعتماد الكبير لاقتصادها على التصدير ولجم النمو السريع في أسواقها المالية والعقارية، محاولة لترتيب أوضاع اقتصاد العالم في الأجل البعيد، لكنها في الأجل القريب ستخفض واردات الصين من الولاياتالمتحدة وأوروبا في وقت تحتاج هاتان إلى تعزيز مبيعاتهما. وفيما يرحب خبراء اقتصاديون بعودة العائلات الأميركية إلى الادخار بعد سنوات من الإنفاق المستند إلى اقتراض مفرط، إذ تقترب نسبة الادخار من خمسة في المئة من المداخيل الإجمالية للعائلات، يبدو أن الظاهرة ستضر بقطاعي البيع بالتجزئة ومن ثم بخطط الشركات المتعلقة بإيجاد وظائف جديدة. ويصح الأمر ذاته بالنسبة إلى خفض الإنفاق الفيديرالي الأميركي، المتفق عليه أخيراً بين الجمهوريين والديموقراطيين، فهو وإن ساعد في تصحيح اختلالات بنيوية في الاقتصاد في الأجل البعيد، سيفضي في الأجل القريب إلى فصل أساتذة وعاملين اجتماعيين ومتعاقدين مع الحكومة الفيديرالية من أعمالهم.