محافظة جدة باتت في صدارة نسبة إندلاع الحرائق 51 في المئة، ومن أسبابها ضعف صيانة التمديدات الكهربائية، وعدم تناسب معدل الاستهلاك المرتفع مع الأحمال (الفنية وغير المدروسة) مع انعدام وسائل السلامة، وعدم تفعيل المسح الميداني الدوري الإلزامي بالشكل الكامل الصحيح. علماً بأن كل الخطوات والإجراءات لن تفيد طالما لم يتم تأهيل العمالة الوافدة كافة بالطريقة الصحيحة عبر تمريرهم ببرنامج «قياس» مفصَّل بحسب كل مهنة أو حرفة أو اختصاص فني، وذلك بعد اجتيازهم دورة تأهيلية في مراكز تأهيلية، أسوة بمراكز تأهيل السائقين، فجميع المهن والحرف كافةً ليست أقل أهمية من قيادة السيارة! والمُفْتَرَض وجوباً عدم مباشرة أي وافد وأي شخص أي عمل إلا بموجب الرخصة الممنوحة له من مراكز التأهيل، وأي عامل يدعي الخبرة في أي مجال يجب اجتيازه فحص مركز التأهيل إياه، ثم ينضوي تحت إشراف المكتب المختص بتلك المهنة، وهذا أبسط أمر تشريعي وقانوني يجب اعتماده. فعندما تُحْضِرُ شخصاً من أسفل كباري العمالة السائبة، أو من الرصيف المقابل لمحال الأدوات الكهربائية، أو لوازم السباكة، أو الطلاء، أو مواد البناء، وتتركه يباشر العمل من دون ما يثبت أهليته وكفاءته، ومن دون أوراق ثبوتية، ومن دون مَرْجِعْ قانوني ترجع إليه إذا أخلَّ بالعمل أو سرق أو هرب من دون إنجاز العمل (وهذا ما يحدث دائماً) فماذا ستفعل؟ وإلى من ستلجأ؟ فليس لديك عنوانه، ولا المرجع الذي يضمن لك حقك! إننا بذلك نجعلهم يفسدون في الأعمال التي نسندها إليهم، مع خسارة المال، وفساد المُنْجَزْ، وضياع الحقوق، فما الذي يُجبر أحدنا على اللجوء إلى هؤلاء؟ إنه عدم توفر البدائل الصحيحة، وتوفير تلك البدائل هي من أوجب الواجبات، وهي من أسهل وأبسط ما يمكن، بل يمثِّل مورداً عظيماً للموارد المالية، فالتدريب بمقابل، وإصدار الرخصة، والانضواء في المكتب المختص، وبالتالي يضمن المواطن العامل المسؤول الذي نستطيع تحميله المسؤولية ونحاسبه. وهذا مُتَّبَعٌ في أوروبا وأميركا، فلا يستطيع أي عامل فني أو محترف في أي حرفة أو أشغال يدوية أو حتى عمال الحقول الزراعية مباشرة أعمالهم إلا بترخيص، مع تسجيلهم في المكتب المختص بحيث يسهل الرجوع إليهم في أي أمر، ويمنع منعاً باتاً وجود أي عمالة في الشوارع أو الأرصفة أو أمام مختلف المحال (أو تحت الكباري)! فما الذي يمنعنا من أن نكون من تلك الأمم الراقية؟ ليس شرطاً أن تكون البداية امتلاك ناطحات السحاب وامتلاك المصانع الكثيرة وغيرها من مقومات الحضارة، بل البداية الحقيقية هي ضبط الموجودين على أرض البلاد بالشكل الصحيح الكامل، وبحيث لا يبقى فردٌ واحدٌ على أرض البلاد من المتخلفين أو المُتستَّر عليهم، أو المخالفين، أو السائبين، أو المتسللين، وأمثالهم، وأول خط الضبط هو عدم تشغيل أي فرد غير مؤهل وغير نظامي، وتوفير البدائل بإيجاد مكاتب التشغيل التي تحتوي المهن والحرف والأشغال كافة، فيتم طلب أي عامل عبرها. وفور تحقيق ذلك، سنحُدُّ من كوارث الحرائق وأعمال السباكة المغايرة للمعايير، أو أعمال البناء التي لا تصمد للعُمر الزمني الافتراضي! والبنية التحتية التي لا تقاوم تقلبات الطقس، والأدهى أن نجعل من أنفسنا مجالاً لتندُّر هؤلاء العمال، وكأننا أمةٌ ضحكت من جهلها الأمم! بينما نحن من أذكى شعوب الأرض، ولكننا أهملنا وتكاسلنا، استسلمنا للراحة والدَّعة، فالنتيجة فتّاكة، وهذا لا يقبله أي عاقل غيور ومحب لوطنه، وما علينا إلا الأخذ بزمام الأمور. [email protected]