ماذا نفهم نحن، «أو يفهم البعض» عن مفهوم الحرية، فالحرية لا تعني الانفلات بأي شكل كان، الحرية هي ألا نسلب أبناءنا وبناتنا شخصياتهم! وأن نحرص كل الحرص كي نخرجهم من التضييق الناتج من تركهم تحت تأثير المفاهيم الخاطئة، ونعمل جُهدنا لإقناعهم بأن جميع أعمال البيئة المحلية على أرض الوطن، بدءاً من التراب والصخور والمعادن والطوب والخرسانة وأعمال البنية التحتية والفوقية، والأعمال التجارية كافة، وأشغال الصيانة العامة، والإنشاءات والطرق والمباني، وصيانة السيارات، مروراً بالحراثة والزراعة والحصاد، والرعي، وصيد البحر، وكل الحرف والمهن والأشغال اليدوية والصناعات كافة، وكل ما يلزمنا في حياتنا اليومية يجب أن نزاولها ونمارسها ونصنعها بأنفسنا. وبالتالي ننتقل إلى التكنولوجيا وصناعة الأجهزة والسيارات والزوارق بأنواعها وأحجامها، فالسيارات والقاطرات والطائرات وجميع أنواع التصنيع المدنية والعسكرية، إلا أننا تخلينا عنها كلها للمستقدمين والوافدين، أي أن ميادين الإبداع واكتساب المهارات والابتكارات والاختراعات تركناها للوافدين، الذين يأتون إلينا بلا أية مهارات ولا مؤهلات ولا اختبار قياس ولا اجتياز اختبارات تأهيل، ويتداعون علينا كما تتداعى الأكلة على قصعتها، كما جاء في الحديث الشريف «يوشك أن تتداعى عليكم الأمم كما تتداعى الأكلة على قصعتها، قالوا: أمن قلة يا رسول الله؟ قال بل أنتم كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل»، الحديث. تركنا أبناءنا يعمدون إلى الانزواء عن كل تلك الأعمال التي تحتاج العضلات والسواعد، ولجوؤهم للبحث عن السهل المتاح، متخيلين أنهم سيجدون وظائف مكتبية حكومية أو أهلية! أو يتمكنون من الانخراط في القطاعات العسكرية والأمنية، أو الحرس أو الحدود والخفر أو الهيئات! وكأن الأمة بكامل عددها ستتحول يوماً ما إلى ثكنات عسكرية ومراكز شُرط وغيرها، فلا يبقى مواطن واحد يمارس الأعمال والأشغال اليدوية والصيانة والتصنيع والأعمال الحرة كافة؟ وليس من المنطقي أن ما يقارب 30 في المئة من القاطنين في البلاد هم وافدون ومستقدمون «بحسب آخر إحصاء» وعدد منهم متسللون ومتخلفون ومخالفون! ولقد تخلينا لهم عن جميع أعمال البيئة المحلية المذكورة، التي تمثل ثلث الاقتصاد الوطني تقريباً، تذهب ريعها خارج البلاد على شكل تحويلات تربو على البلايين! لقد أبدى وزير التربية والتعليم الأمير فيصل بن عبدالله، عدم رضاه عن أداء وزارته، معتبراً أن الواقع «لا يعكس القدرات المتاحة من عقول وإمكانات»، واستطرد: «ونطمح إلى المزيد من أداء العقول»، وأضاف: «الإبداع فكرٌ يحتاج للحرية والتوجيه، لذا آمل أن يحصل أبناؤنا على الفرصة للإبداع»، مشدداً على أن الأنشطة اللاصفية جزء لا يتجزأ من مشروع خادم الحرمين الشريفين لتطوير التعليم، وقال: «ما شاهدناه يفرح ويبهج، وإن شاء الله نشاهد مراكز وأندية تخدم الإبداع والمبدعين، وتقدم للوطن عقولاً بنَّاءة»، وأبدى ارتياحه لوجود مبادرات وشراكات بين الوزارة والقطاع الخاص لبناء مجتمع المعرفة، من خلال بناء مراكز علمية تدعم العقول وتقدم للوطن: مخترعين ومنجزين يخدمون مسيرة التربية. وحول ظاهرة الإرهاب والتهم الموجهة إلى الأندية الصيفية، قال: هناك ظواهر لا يمكن أن ننسبها إلى التعليم، حتى وإن كان هناك مجموعة تنتسب إلى التعليم، وأردف قائلاً: المراكز والأندية الصيفية لا تُخرج إرهابيين أو تدعم الفكر الإرهابي، الذي يدمر كل شيء، ويستبيح دماء الناس. وفي الأنشطة الكشفية، كنا نعطي الكشافة تدريباً على الكثير من المهن والحرف اليدوية والصيانة العامة، وصيانة السيارة والميكانيكا وأعمال التمديدات الكهربائية والنجارة، إلى جانب مهارات أخرى خاصة بالإنقاذ ومساعدة الناس، والمشاركة الفاعلة في المناسبات الوطنية والفعاليات الثقافية وأثناء أداء مناسك الحج، وغيرها، وشعار الكشاف «كن مستعداً»! وكيف يكون الشخص مستعداً إذا لم يكن ملماً بأبجديات متطلبات حياته اليومية، وإلى درجة إحضار أي وافد من الشارع وتسليمه صيانة مكيفة أو أدوات سباكته أو صيانة سيارته، وكل المتطلبات الأخرى من دون وجود أي رابط بين هذا الوافد وبين العمل المطلوب منه القيام به؟ فلا نشترط وجود كارت ممارسة مهنة «رخصة صادرة من مراكز تأهيل واختبار وقياس»، ومحدداً فيها المهنة التي اجتاز الاختبار فيها، حاله حال سائق الأسرة الذي يجتاز اختبارات «دلة لتعليم قيادة السيارات» أولاً، ثم يسلم إليه مقود السيارة، بل يتصور البعض أن الخطورة فقط في قيادة السيارة، أما الأشغال كافة من تمديدات كهربائية وسباكة ونجارة وإنشاءات، وغيرها، على رغم ما تشكله من خطورة كبيرة كانهيارات وحرائق وغيرهما في حال اشتغال غير المؤهلين فيها! لابد أن نعيد الأمور إلى نصابها، فإذا لم نجد مواطنين يشتغلون بتلك المهن والحرف، بغض النظر عن مبررات عدم إشتغالهم بها، فعلى الأقل نمرر الوافدين كافة في اختبار قياس وتأهيل في مراكز متخصصة شبيهة ب «دلة البركة»، في مقابل مبالغ يدفعها الوافد أو الكفيل أو الشركة التي استقدمته، بحيث لا يُسمح لأي وافد مباشرة أي عمل إلا بتحقق الشروط تلك، حتى لا نجعل من أنفسنا مجالاً ومثاراً لتندُّر تلك العمالة بين بعضهم البعض، سواء هنا، أو بعد عودتهم لديارهم، ونشر الفضائح عند بني جلدتهم، فيأتي القادمون الجدد وقد تشرَبوا بالأفكار والسمعة، بأننا نقوم بتشغيل كل قادم وبلا أدنى أهلية، وهذا مخالف للفطرة السوية. توماس أديسون، المخترع الكبير، لم يكن ليخترع شيئاً لو لم يكن منخرطاً في الأعمال اليدوية، ونجح بعد 1200 محاولة فاشلة في اختراع اللمبة الكهربائية التي أضاءت مدننا وبيوتنا، وأتاحت اختراع التلفاز، ومصابيح السيارات والطائرات، وغيرها، فالإبداع والابتكار يأتيان من التفاعل مع المواد والأشياء والأشغال اليدوية والحرف والمهن، وكل موجودات البيئة المحلية. [email protected]