استطاع الإندونيسي نور أخياري بإنصاته الواعي الى موسيقى اللغة، وباستخدامه المتقن للموسيقى الداخلية للفظ، ودراسته المتعمقة للزمن والصوت وعلاقة بعضهما ببعض، أن ينسج عالماً خاصاً من الإبداع الفني خلال حفلة الإنشاد الديني التي استضافها «قصر الإبداع» في الإسكندرية أخيراً، في حضور حشد من مختلف الأعمار والجنسيات العربية والأجنبية وخصوصاً الإندونيسية. واللافت أن الجمهور تفاعل بطريقة مدهشة خلال الحفلة، متجاوباً مع كل ما أنشدته فرقة «داعي الندى» بقيادة أخياري. تقدم فرقة «داعي الندى» إنشاداً يختلف كثيراً عن الإنشاد المعتاد. فيغني الفريق بالأكابيلا، وهو نوع مختلف من الموسيقى يعتمد على التفكيك الفيزيائي لموسيقى الألفاظ، ارتفاعاً وانخفاضاً في طبقات الصوت وبالأداء الجمعي والمنفرد المعتمد كلياً على الفم في إصدار الأصوات الموسيقية من دون مصاحبة آلات موسيقية. ويقول أخياري: «الموسيقى واللغة فطرة بشرية، وهما تشتركان في خصائص مثل النقرات والإيقاع، النبر أو الوزن، ونظراً إلى أننا بطبيعتنا فريق إنشاد ديني... فإننا ملتزمون نوعية الفن الذي نقدمه إلى حد كبير فلا نستخدم أي آلة، بل نعتمد على موسيقى اللفظ التي تعطي تدفقاً موسيقياً عالياً ولها تأثير قوي، لأنها تأخذ بمسامع الناس وقلوبهم، ونحن نقدم الإنشاد الديني والموسيقى الروحية التي تصفو بها النفس وتسمو بالروح». أنشدت فرقة «داعي الندى» الكثير من الأناشيد من ألبومها الأخير «مالي رب سواه»، وأناشيد أخرى مثل «طلع البدر علينا» و «الصلاة على الرسول» و «أسماء الله الحسنى» و «بادر» و «إليك يا ربي» و «إله واحد»، فضلاً عن أعمال أخرى بلهجة موسيقية اجتمعت فيها عناصر متعددة من الشرق العربي ومن جنوب آسيا، وذلك خلاف العربية والإندونيسية. ويغني الفريق للإمام الشافعي وأبو نواس وابن اللوّاح، وابن الصبّاغ الجرامي، وأحمد زيدان كما إنه يستعين بشعراء شبان، إضافة إلى بعض الكتابات التي يكتبها أخياري بنفسه، كما يشاركه المؤلف والملحن المصري إيهاب حامد في إعداد بعض أغانيه. يؤكد أخياري أن الفرقة قدمت الكثير من الحفلات الناجحة في مصر والبلاد العربية والأجنبية حيث يقدم أخياري حفلاته بالتعاون مع السفارة الإندونيسية، وذلك لنشر القيم الإسلامية السمحة ونشر الثقافة الإندونيسية. وهو يرى أن نجاح أغانيه يعود إلى صدق الكلمات وروحانيتها وتدفقها و «لأنها تمس الشعور الديني العميق لأعداد كبيرة من المسلمين»، ما جعل الكثيرين يحبونها ويتواصلون معهم بكثرة، خصوصاً عبر الإنترنت. ويبدي أخياري سعادته البالغة لنجاح الثورة المصرية، آملاً بأن تتحقق كل أهدافها قريباً. ويهدف أخياري إلى تقديم الإنشاد بطريقة فريدة وجديدة، بحيث يكون الاختلاف نقطة تميزه عن بقية الفرق، «على رغم أنه يحتاج إلى جهد كبير ومتواصل وموهبة حقيقية. فالجمهور يسعى وراء الجديد وينجذب له، والإنشاد الديني يحتاج إلى التجديد باستمرار لأن الناس تمل من الإعادة. فحتى الخطاب الديني يحتاج للتجديد لمواكبة روح العصر». ويؤكد أخياري أن رسالته يقدمها لكل الناس، وليس للمسلمين فقط، وهي تتحدث عن نشر السلام في أرجاء المعمورة والدفاع عن الإنسانية والقيم النبيلة التي بدأت تختفي تحت وطأة الصراع خلف الماديات. فالقيم والأخلاقيات والدعوة للسلام هي عماد كل الأديان. إلى ذلك، يقدم أخياري حفلات مشتركة للسلام مع فرق ترانيم مسيحية في أماكن كثيرة حول العالم «بهدف نشر ثقافة السلام ورسالتها الهادفة، وحتى يسود الحب في البشرية كلها»، وفق تعبيره. وكان أخياري درس الموسيقى في معهد مختص، وهو يعزف البيانو والغيتار ولا يستخدم تلك الآلات المصاحبة للأغاني وإنما يعتمد على الهارموني والتوزيعات الصوتية مباشرة من دون «بلاي باك» أو أية مؤثرات صوتية. وكل ما يقدمه اجتهاد شخصي يعتمد على فكره هو وفريقه وتراثهما وثقافتهما الإسلامية الأصيلة. ويستعد أخياري لإصدار ألبومه الجديد قريباً، وسيقدم حفلة كبيرة في «قصر الغوري» في القاهرة منتصف رمضان، بالتعاون مع فرقة «سماء» الدولية.