قال مصطفى البرغوثي أحد أبرز قادة العمل الشعبي في فلسطين أن اتفاق «فتح» و «حماس» على إقامة دولة مستقلة على حدود عام 67، وعلى اعتماد النضال الشعبي جعل المصالحة ممكنة. وقال البرغوثي الذي لعب دوراً مركزياً في الوساطة بين الحركتين إن التدخلات الخارجية هي العائق الأكبر أمام إتمام المصالحة. وانتقد البرغوثي في حديث الى «الحياة» بعض القوى السياسية التي قال إنها تنفق أكثر من 90 في المئة من طاقتها على الصراع الداخلي بدلاً من توجيهها نحو الاحتلال. وقال إن من المعيب الانشغال في تقاسم المناصب بدلاً من العمل ضد الاحتلال. واعتبر السلطة أداة في خدمة مشروع التحرر الوطني، وأنها قد تنهار في سياق هذا المشروع. أنت لعبت دوراً مهماً في اتفاق المصالحة، ما الذي تغير وجعل هذا الاتفاق ممكناً؟ - عوامل عدة لعبت دوراً في اتفاق المصالحة، من أهمها النهوض الشعبي الفلسطيني الذي طالب بإنهاء الانقسام. الانعكاس الأول للربيع العربي على فلسطين كان الحراك الشعبي الواسع، المطالب بإنهاء الانقسام. وهذا أمر جعل القوى المختلفة تفهم أن علاقتها بالجمهور مرتبطة بمدى إيجابيتها في إنهاء الانقسام، وإتمام الوحدة، وأن استمرار الانقسام يكلفها غالياً. العامل الثاني كان التحول في مصر، الذي قدم لنا حاضنة عربية متينة لإسناد المصالحة. والإخوة المصريون كانوا صريحين معنا عندما قالوا إنهم تعرضوا لضغوط دولية وإسرائيلية هائلة لعدم استكمال المصالحة. لكن مصر صمدت. واستقلالية الموقف المصري وقوته بعد الثورة كانت من العوامل التي ساعدت على حماية اتفاق المصالحة. العامل الثالث هو الإدراك الجمعي باستحالة الوصول إلى أي نتيجة من المفاوضات، وأن هذا الطريق مغلق بالكامل. القناعة التي ترسخّت لدى جميع القوى بأننا لسنا في مرحلة حل بل في مرحلة صراع وكفاح. وإذا كنا كذلك، فنحن بأمس الحاجة إلى وحدة الصف. على رغم التردد في تطبيق الاتفاق، لن يستقيم حالنا، ولن نستطيع أن نجعل نضالنا كافياً، إلا إذا تبلور نتيجة الاتفاق قيام قيادة موحدة للشعب الفلسطيني، وقد وفر الاتفاق القاعدة لذلك من خلال منظمة التحرير، وثانياً عبر إجراء انتخابات للمجلس الوطني. وبرأيي فإن الشعب مستاء من الانقسام، والآن مستاء من عدم تطبيق الاتفاق. ما دمنا لسنا في مرحلة حل، لن يتم إنهاء للاحتلال إلا بتغيير ميزان القوى، وهذا لن يتغير إلا بأربعة عوامل: - استعادة الوحدة الوطنية: يجب أن تعمل اللجنة الموقتة لقيادة منظمة التحرير كقيادة موقتة بانضمام جميع القوى إليها، وإجراء انتخابات للمجلس الوطني الفلسطيني. - المقاومة الشعبية. - حركة التضامن الدولي والعقوبات على إسرائيل. - تغيير السياسة الاقتصادية بحيث نركز على صمود الناس وثباتهم بخاصة في المناطق المهددة مثل القدس والخليل ومناطق الجدار. المصالحة غير ممكنة من دون برنامج سياسي مشترك، ما هو الأساس السياسي للمصالحة؟ - الطرفان، فتح وحماس، اقتربا نحو قاسم وطني مشترك. اتفاق المصالحة كان له مغزى كبير لأنه لم يكن مجرد توقيع اتفاق، ما أعلن في القاهرة مثل مجموعة تطورات مهمة: - تبني برنامج سياسي موحد، وهو إقامة دولة مستقلة على حدود الرابع من حزيران (يونيو) عام 67. - تم التوافق الفلسطيني على شكل نضالي مشترك، وهذه سابقة لم تحدث منذ عقود، بالاتفاق على المقاومة الشعبية، والالتزام بهذا الشكل في هذه المرحلة، والالتزام بأن أي عمل كفاحي أو سياسي يجب أن يخضع لقرارات القيادة المشتركة في المرحلة المقبلة. وهنا، وحّدنا البرنامج السياسي والعمل الكفاحي. - الأمر الثالث نوع من التفويض، بحيث يعرف العالم أن هناك من يتحدث باسم الشعب الفلسطيني في المحافل الدولية كافة، وبالتالي سحبت من يد نتانياهو كل حججه القائلة: لا يوجد من يمثل الفلسطينيين. - هذا الاتفاق، إن جرى تطبيقه، سيوفر الأجواء لإزالة عناصر التوتر الداخلي، وإنهاء الحالة التي كانت قائمة والتي بموجبها تنفق القوى أكثر من 90 في المئة من طاقتها على الصراع الداخلي بدل توجيهها نحو الاحتلال. ما هي العقبات التي تعترض تطبيق الاتفاق؟ - توجد عقبات كثيرة، لكن أهم عقبة هي الرفض الإسرائيلي والأميركي للاتفاق، والضغط الذي يمارس من أطراف خارجية ضده. ودعني أكن صريحاً: نحن نواجه الآن معركة كسر عظم مع إسرائيل. إسرائيل تعتبر نفسها في مرحلة من مراحل تطبيق المشروع الصهيوني، مرحلة تلي تهويد أراضي عام 48، وجزء مهم من أراضي 67، وترى أنها الآن في مرحلة تصفية القضية الفلسطينية، بمعنى تصفية عناصرها الأساسية، وتحديداً القدس واللاجئين وحق العودة، وتحويل فكرة الدولة الى غيتوات ومعازل على أقل من 40 في المئة من مساحة الضفة، وجعلنا عبيداً في سجون ضمن نظام تمييز عنصري. هذا هو المشروع الصهيوني اليوم، ووجود حكومة مثل حكومة نتانياهو، حكومة مستوطنين وتطرف، ووقاحة نتانياهو في التعبير عن هذه الأهداف تعني أنهم دخلوا في معركة كسر عظم معنا. لقد وصلت وقاحتهم حد تجنيد حكومات في الخارج للقيام بالعمل في المهمات القذرة نيابة عن إسرائيل. والوقاحة في تصدير الاحتلال والحصار والتمييز العنصري في أوروبا. أبناء أوروبا يتعرضون اليوم للتمييز العنصري، ويمنعون من ركوب الطائرات إذا قالوا إنهم يأتون إلى فلسطين. أنا أعتبر أن إسرائيل دخلت في معركة كسر عظم، ولا مجال للمساومة: إما أن ينجح المشروع الوطني الفلسطيني في كسر الاحتلال أو لا. وأنا واثق بأنه سينجح. لم يعد هناك أي أفق لإطلاق المفاوضات، وعملياً فشل مشروع أوسلو بالكامل، وهذا يستدعي منا استراتيجية موحدة. من المعيب أن يكون الخلاف الآن على مناصب وعلى مراكز. نحن اليوم في حاجة أن نشكل جبهة وطنية موحدة، أن نوحد كل قوانا كي نستطيع أن نكسر المشروع الإسرائيلي في هذه المرحلة. والمسألة أصبحت: نكون أو لا نكون. مثلاً بعضنا ظن أنه يستطيع أن يتراخي في موضوع اللاجئين، وهذا خطأ كبير، إذ سرعان ما تبين لنا بأن من يتراخى هنا عليه أن يتراخى في القدس وفي سيادة الدولة. ليس لدى إسرائيل ما تقدمه، ولا يمكن تغير الوضع إلا عبر تغيير موازين القوى، والتي أهم أسسها الوحدة. ونحن بحاجة إلى ضغط شعبي جديد يدفع لتطبيق اتفاق المصالحة. يبدو اتفاق المصالحة اتفاق إعلان مبادئ، وهذا يعني أن العملية طويلة ومعقدة، كيف نوحد أجهزة الأمن، كيف نعيد توحيد الوزارات؟؟ - كل هذا يبدو معقداً جداً إذا نظرنا إلى الأمر على أنه توحيد سلطات. لكن إذا أدركنا الواقع الحقيقي، وهو أن كل السلطات تحت الاحتلال، وأن ما يجب أن ننشغل فيه ليس تقاسم السلطات إنما كيف ننشغل في مهمة حركة التحرر الوطني. الأهم من السلطة هي حركة التحرر الوطني والنضال الوطني الفلسطيني. بعض من ظنوا أن علينا أن نصفي دور المنظمة لمصلحة السلطة، اعتقاداً منهم بقرب الحصول على دولة، اتضح لهم أن هذا وهم. السلطة تخضع للاحتلال، وغزة أيضاً تخضع للاحتلال من خلال الحصار الجوي والبري والبحري والتوغلات اليومية في القطاع. يجب النظر إلى السلطة باعتبارها أداة تقنية لخدمة حركة التحرر، لا أن تكون حركة التحرر الوطني في خدمة السلطة. إذا جرى تبني هذا المفهوم فلن يكون هناك صعوبة في حل مختلف الملفات. أنت من قادة العمل الشعبي في فلسطين، هل ترى فرصة لانتفاضة شعبية مقبلة في أيلول (سبتمبر) أو بعده. - الجميع يتحدث عن الربيع العربي، وهو وصل إلى فلسطين. اليوم هناك ربيع فلسطيني اسمه مقاومة شعبية تتحول تدريجاً إلى انتفاضة شعبية جماهيرية سلمية ضد الاحتلال. هي في مرحة التشكل، بدأت قبل ثماني سنوات، حينما بدأنا حركة المقاومة الشعبية ضد جدار الفصل العنصري، وأنا أذكر أن البعض كان يستخف في تلك الفترة بهذا الشكل من النضال، ويعتبر أنه أضعف من أن يؤثر. اليوم الكل يشيد به، ونأمل في أن يشارك الكل به، ليس فقط يشيد به. وأن يشكل النضال الرئيس للشعب الفلسطيني. من حقنا أن نناضل ضد الاحتلال بمختلف الأشكال، لكن في هذه المرحلة هذا الشكل هو الأكثر فاعلية في النضال ضد الاحتلال.