لا تمكن قراءة مستقبل الوضع في لبنان بمعزل عما ستؤول إليه التطورات المتسارعة في سورية خصوصاً في ضوء تصاعد المواجهات في مدن سورية عدة مع حلول شهر رمضان المبارك، وبالتالي سيدخل البلد في مرحلة جديدة من تقطيع الوقت لن يؤثر فيها الانشغال في قانون الانتخاب الجديد ودعوة رئيس الجمهورية ميشال سليمان إلى استئناف الحوار وإلى التشدد في ضبط الأمن لحماية الاستقرار الداخلي وصونه من أي ارتدادات سلبية يمكن أن تترتب على التعقيدات التي تمر فيها المنطقة من جراء انسداد الأفق أمام تحريك المفاوضات الرامية إلى تحقيق سلام عادل وشامل في المنطقة. وفي هذا السياق، سيكون اليوم لرئيس الجمهورية كلمة في الاحتفال الذي تقيمه قيادة الجيش لمناسبة مرور 66 عاماً على تأسيس الجيش اللبناني، والذي يتخلله تخريج دفعة جديدة من الضباط. وعلمت «الحياة» أن سليمان سيركز في خطابه على ثلاثة أمور أساسية، الأولى المضي في الدعوة إلى الحوار باعتباره المدخل لاستيعاب التأزم الداخلي وتنفيس الاحتقان المذهبي والطائفي، والثاني يتناول فيه تصوره لقانون الانتخاب الجديد من دون الولوج إلى تفاصيله باستثناء تبني اعتماد النسبية لكونها تؤدي إلى ضمان تمثيل شعبي أوسع وتخفف من وطأة الاصطفاف المذهبي من ناحية، وتدفع من ناحية ثانية باتجاه العودة إلى الخطاب السياسي الشامل بدلاً من إقحام لبنان في دوامة التراشق الإعلامي وتبادل الحملات السياسية. أما الأمر الثالث الذي سيركز عليه رئيس الجمهورية فيتعلق بضرورة الإمساك بالوضع الأمني والتشدد في قمع المخالفات وفي مواجهة البؤر الإرهابية بتثبيت التهدئة كأساس لحماية الاستقرار العام وترسيخه. لكن تركيز سليمان على هذه الأمور يفتح الباب كما تقول مصادر سياسية، أمام العمل لمواجهة كل المحاولات الرامية إلى ضرب هيبة الدولة بدءاً بالملابسات التي رافقت إطلاق الإستونيين السبعة باعتبار أن الحكومة اللبنانية لم تكن على علم بالمفاوضات التي قادت إلى الإفراج عنهم، وهي تتساوى في هذا السياق مع الحكومة الفرنسية التي لم يكن لها دور في المفاوضات التي جرت بين الحكومة الإستونية وجهة لبنانية ما زالت طي الكتمان وهذا ما نقله عدد من الوزراء والنواب عن لسان السفير الفرنسي في لبنان دوني بييتون من أن باريس كانت آخر من يعلم وأن دورها اقتصر على توفير وسائل النقل لتأمين انتقال الإستونيين من سهل الطيبة القريب من بعلبك إلى دار السفارة الفرنسية في بيروت وتسأل من المستفيد من ضرب هيبة الدولة وإظهارها وكأنها غير فاعلة. وتؤكد المصادر أيضاً أن الاعتداء الذي استهدف أخيراًَ قافلة فرنسية تابعة ل «يونيفيل» من خلال تفجير عبوة لدى مرورها فوق جسر سينيق جنوب صيدا، شكل إحراجاً لأركان الدولة لم يخفف من وطأته إسراع أكثر من مسؤول لبناني رفيع إلى إبلاغ السفير بييتون بأن مسؤولية التفجير تقع على عاتق جهة فلسطينية تقوم الجهات الأمنية الرسمية بالتحقيقات اللازمة لتحديد هويتها. وتلفت المصادر إلى أن الدول الأوروبية المشاركة في «يونيفيل» تتعامل مع التفجير الأخير على أنه رسالة تستهدف دور وحداتها في منطقة عمليات جنوب الليطاني بالتعاون مع الجيش اللبناني، وخصوصاً أنه حاء بعد ساعات على تعهد قائد الجيش العماد جان قهوجي في محادثاته في باريس، حمايتها. وتسأل المصادر نفسها ما إذا كان استهداف «يونيفيل» هذه المرة يصب في خانة إحراج قائد الجيش اللبناني وإظهار القوى الأمنية اللبنانية على أنها عاجزة عن حفظ الأمن، مشيرة إلى أن توجيه الاتهام إلى جهة فلسطينية مجهولة يطرح بإلحاح مصير ما توصل إليه مؤتمر الحوار الوطني في جلساته الأولى التي انعقدت في آذار (مارس) 2006 برعاية رئيس المجلس النيابي نبيه بري ولا سيما في شأن الإجماع على جمع السلاح الفلسطيني خارج المخيمات وضبطه وتنظيمه بداخلها. وتضيف أن السؤال في هذا السياق يشمل الفلتان الحاصل في المناطق الحدودية المتداخلة بين لبنان وسورية في البقاع الغربي، في ضوء افتقاد القوى الأمنية إلى حرية الحركة بحثاً عن الإستونيين السبعة بذريعة أن بعضها مقفل أمام السلطة اللبنانية لوجود معسكرات تابعة لفصائل فلسطينية معينة مع انه لم يعد من وظيفة قومية أو وطنية لها في هذه المعسكرات. ولم تقلل المصادر عينها من أهمية السجال الذي اندلع أخيراً بخصوص تحديد الحدود البحرية للبنان لتمكينه من الإفادة من ثروته النفطية والذي أظهر غياب الدولة. ولم تحضر هذه الأخيرة إلا في الاجتماع الذي ترأسه أخيراً رئيس الحكومة نجيب ميقاتي وخصص لهذا الغرض عشية انعقاد الجلسة التشريعية للبرلمان غداً وبعد غد واحتمال أن يطرح هذا الموضوع من خارج جدول الأعمال. وتعتقد هذه المصادر بأنه لم يكن من مبرر لهذا السجال النفطي الذي رافقته حملات من التهويل والتهديد، وتقول إن هذا الموضوع يجب أن يبقى في إطاره الرسمي وفي عهدة الدولة التي ستقوم بالتوجه إلى المجتمع الدولي وتحديداً الأممالمتحدة لمنع إسرائيل من وضع اليد على المنطقة الحدودية المتنازع عليها. وتخشى المصادر أن يتجاوز السجال الدائر حول الثروة النفطية للبنان في عمق البحر وضرورة تحريرها تنقيباً واستخراجاً إلى الاختلاف على الجهة التي ستتولى التنقيب في ضوء ما يتردد من أن معظم الأطراف تعهدت لجهات دولية بأن الالتزام في التنقيب عن النفط والغاز سيرسو عليها. أما في شأن قانون الانتخاب الجديد، فترى المصادر السياسية أن طرحه الآن لا يعني أبداً أنه وضع على نار حامية لتبيان أي قانون ستجري على أساسه الانتخابات النيابية عام 2013، وتعزو السبب إلى أن الأطراف تأخذ وقتها في دراستها للعناوين الرئيسة لقانون الانتخاب فيما الأطراف التي تتمثل في الحكومة لم تستقر حتى الساعة على رأي واحد. ومع أن رئيس الجمهورية سيتحدث في خطابه اليوم عن ضرورة اعتماد النسبية من دون أن يحدد أي تقسيم للدوائر الانتخابية يفضل في الانتخابات المقبلة، فإن رئيس «تكتل التغيير والإصلاح» العماد ميشال عون يميل إلى تأييد النظام النسبي لكنه لم يحسم أمره ليقول منذ الآن أي نظام يريد وهل يؤيد حليفيه «حزب الله» وحركة «أمل» اللذين يناديان بجعل لبنان دائرة انتخابية واحدة على أساس احتساب النظام النسبي. وتردد أن الرئيس بري و «حزب الله» يبديان كل استعداد لإعادة النظر في موقفهما إنما بشرط إعادة النظر في تقسيم المحافظات اللبنانية وجعلها 9 محافظات تجري فيها الانتخابات على أساس النسبية. لكن رئيس «جبهة النضال الوطني» وليد جنبلاط، وإن كان يحبذ اعتماد النظام النسبي، فإنه في المقابل يجد أن هناك صعوبة لتطبيقه الآن وهو في حاجة إلى تأهيل اللبنانيين وتثقيفهم لإقناعهم بجدوى هذا النظام. وبالتالي هو لا يعارض الإبقاء على القانون الحالي وخصوصاً أن إقرار أي قانون في هذه الظروف في ظل الانقسام الحاد بين اللبنانيين يمكن أن يعتبره البعض أنه أعد للاستقواء عليه بدلاً من أن يكون الهدف منه تصحيح التمثيل.