بعد مضي 113 يوماً على خطفهم في 23 آذار (مارس) الماضي، ظهر الأستونيون السبعة فجأة في مكان لم يكن يتوقعه أحد، في منطقة تعرف باسم سهل الطيبة الواقع بين بلدتي بريتال والنبي شيت في قضاء بعلبك، ونتيجة مفاوضات مكوكية أُجريت بين الحكومة الأستونية وسورية وانضم اليهما أخيراً طرف لبناني رفض جميع المعنيين بالجهود المبذولة التي أدت الى إطلاقهم كشف عن هويته السياسية بذريعة ان الفريق الأستوني المقيم في السفارة الفرنسية في بيروت لم يطلب منه مواكبة هذه المفاوضات وان مهمته بقيت محصورة في تنفيذ الأوامر التي يتلقاها من حكومته في تالين التي تولت الاتصالات حتى من دون علم الحكومة الفرنسية التي تقوم بمقام أعمال أستونيا في لبنان لعدم وجود سفارة لها في العاصمة اللبنانية. وفي معلومات خاصة ب «الحياة» كشفت مصادر ديبلوماسية أوروبية مواكبة عن بعد للاتصالات الجارية بين دمشق وتالين، أن الفريق الأستوني المقيم في السفارة الفرنسية لم يتدخل في تفاصيل الاتصالات والمفاوضات وان مهمته بقيت محصورة بالاتصال بطرف لبناني يعتقد بأنه على صلة بملف الأستونيين السبعة لكن دوره اقتصر على تنفيذ ما يتلقاه من معلومات من حكومته. وبحسب هذه المعلومات فإن الفريق الأستوني المقيم في بيروت حرص لدى استيضاحه عن الظروف السياسية والأمنية التي رافقت الإفراج عن المخطوفين، على التأكيد انه يجهل هوية الجهة اللبنانية التي تولت القيام بالوساطة بين الخاطفين ووزارة الخارجية الاستونية وان كل ما لديه لا يتعدى كونه التواصل مع هذه الجهة من دون السؤال عن هويتها أو انتمائها السياسي. ولفتت المصادر المواكبة عينها الى ان الفريق الأستوني المقيم في بيروت تولى تنفيذ أوامر وتعليمات حكومته بحذافيرها واستمر على هذا المنوال الى ان أحيط علماً بموعد الإفراج عنهم في المكان الذي وجدوا فيه. ولم تؤكد المصادر نفسها ما إذا كانت الجهة الخاطفة هي الجهة ذاتها التي قادت المفاوضات للإفراج عنهم أم ان وسيطاً دخل على الخط وتولى نقلهم قبل حلول الصباح الى سهل الطيبة ليتولى فريق لوجستي مشترك فرنسي - أستوني نقلهم الى مقر السفارة الفرنسية في بيروت. وأكدت هذه المصادر أن الإفراج عن الأستونيين تم قبل الثامنة من صباح أمس بعدما أعلم أركان الدولة اللبنانية بنبأ اطلاقهم فور العثور عليهم في سهل الطيبة وبناء للاتفاق الذي حصل بين الجهة المحلية اللبنانية ووزارة الخارجية الأستونية. وقالت ان غياب أي مسؤول لبناني عن المنطقة لحظة الإفراج عنهم يدعم الاعتقاد السائد بأن المفاوضات تمت بغياب الدولة اللبنانية وأجهزتها الأمنية التي رصدت منذ ليل أول من أمس وجود تحرك غير مرئي لحماية المنطقة المتفق عليها للإفراج عن الأستونيين ومنع الاقتراب منها لقطع الطريق على حصول أي خرق للتفاصيل المتفق عليها بخصوص إطلاقهم. وفي شأن الدور الفرنسي في عملية الإفراج عن الأستونيين، أكدت المصادر المواكبة أن باريس لم تكن حاضرة في الاتصالات أو في المفاوضات التي سبقت اللحظة الأخيرة التي أنجزت فيها التفاصيل الخاصة بالإفراج عنهم. وقالت ان السفارة الفرنسية أحيطت علماً فور نقل المخطوفين السبعة الى سهل الطيبة وتولت بالتعاون مع الفريق الأستوني المقيم فيها تأمين كل ما هو لوجستي لنقلهم الى مقر السفارة في بيروت. وبكلام آخر أكدت المصادر أن الدور الفرنسي لم يتجاوز الأمور اللوجستية المتعلقة بنقلهم ومواكبتهم الى بيروت، وهو يتساوى في هذا الشأن مع الفريق الأستوني الذي استضافته السفارة. وأضافت: «إذا كان من فارق بينهما فإنه يعود الى ان الفريق الأستوني في بيروت كان أول من تبلغ بتحديد ساعة الصفر للإفراج عنهم وبادر الى التنسيق مع السفارة الفرنسية في الأمور اللوجستية التي اقتصرت على تأمين الموكب الذي تولى نقلهم الى بيروت ومن ثم توفير الإسعافات اللازمة لهم وإخضاعهم الى فحوص طبية أولية وتزويدهم ألبسة جديدة». لذلك فإن السفارة الفرنسية تولت تأمين وسائل النقل بما فيها مرافقة عدد من العاملين فيها بالتعاون مع القوى الأمنية للأستونيين السبعة الى المكان الذي استمع فيه قاضي التحقيق العسكري الأول فادي صوان الى إفاداتهم وتدوين ما لديهم من أقوال بدءاً من خطفهم أثناء وجودهم في المنطقة الصناعية في زحلة مروراً بكل ما حصل معهم طوال فترة نقلهم أثناء اختطافهم من مكان الى آخر وانتهاء بالإفراج عنهم. ويبقى السؤال: هل كانت «صاحبة الأرض» أي الدولة اللبنانية على علم بمسار المفاوضات أم انها أعلمت قبل دقائق من موعد الإفراج عنهم؟ في السفارة الفرنسية ووصل المفرَج عنهم السبعة صباحاً الى مبنى السفارة الفرنسية في بيروت، حيث أخذوا فترة استراحة وبدلوا ملابسهم المتسخة بأخرى رياضية، والتقوا طبيباً نفسياً فرنسياً، قبل ان يطلوا ظهراً من شرفة السفارة، حيث لوحوا بأيديهم الى الاعلاميين الموجودين قرب المبنى قبل انتقالهم الى المحكمة العسكرية. وزار وزير الداخلية اللبناني مروان شربل، يرافقه المدير العام لقوى الامن الداخلي اللواء اشرف ريفي السفارة، حيث التقيا الأستونيين. وقال شربل بعد اللقاء: «اليوم نعيّد في السفارة عيدين: عيد تحرير الرهائن والعيد الوطني الفرنسي أيضاً. تحرَّر الرهائن والتقيتُهم واللواء ريفي، وبدَوْا بصحة جيدة. استحموا وأكلوا وسيأخذهم وزير خارجية أستونيا معه الى بلادهم وسنرافقهم الى المطار، وتكون النهاية سعيدة». وعن الخاطفين، قال شربل: «حتى الآن أوقفنا تسعة أشخاص من الجنسية اللبنانية وجنسيات أخرى، والتحقيق سيكشف الموضوع. وتقريبا هم عصابة منظمة». وعن عدم مشاركة القوى الامنية اللبنانية في عملية التحرير، قال: «شاركنا من بعيد، كي لا نعرقل الامور، لكن عندنا كل المعلومات وستعرفون التفاصيل لاحقاً. كانت المديرية العامة لقوى الامن الداخلي ووزارة الداخلية على علم بالعملية كلها»، مؤكدا أنه «لم يكن هناك مطالب للخاطفين، لكن التحقيق مع الرهائن سيخبرنا كل شيء». وذكّر بأن «قوى الامن الداخلي ألقت بعد 24 ساعة من الخطف القبض على 7 اشخاص، وتابعوا الموضوع الى أن ارتفع العدد الى 9 اشخاص، وبالطبع أخبروا كل شيء، وكان تنسيق مع الاجهزة الامنية اللبنانية، من جيش لبناني وأمن عام، وكان للمجهود الذي قام به فرع المعلومات في قوى الامن الداخلي الدور الاكبر». ميقاتي يتابع وسياسياً، تابع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي منذ الصباح عملية الإفراج عن الأستونيين، واطلع من قادة الأجهزة الأمنية على تقارير تفصيلية عن وضعهم ونقلهم الى بيروت. وتلقّى فور شيوع الخبر اتصالاً من وزير الخارجية الأستوني اورماس باييت للتشاور في الموضوع، وجرى خلاله الاتفاق على عقد اجتماع في السراي الحكومية فور وصول باييت الى لبنان قرابة العاشرة من ليل أمس. كما اطلع ميقاتي من السفير الفرنسي دوني بييتون، الذي زار ايضاً وزير الخارجية عدنان منصور، على الجهود الفرنسية في هذا الاطار. وقال بييتون بعد لقائه منصور: «نحن سعداء لحصول الإفراج أخيراً عن المخطوفين، والذي جاء نتيجة التحقيقات التي جرت»، موضحاً أن بلاده «منذ وقوع عملية الخطف تحركت كما كل الدول الشريكة والصديقة الأخرى لأستونيا، من أجل توفير الدعم الديبلوماسي واللوجستي، إذ إنها مسألة أستونية- لبنانية، ونحن سعداء لأننا استطعنا المساهمة من جهتنا في هذه العملية الإيجابية لإطلاق سراح هؤلاء». وأضاف: «بناء على طلب أستونيا، قدمنا دعماً ديبلوماسياً ومادياً وبطريقة شفافة جداً ازاء السلطات اللبنانية»، موضحاً أنه يعني بالدعم المادي «استقبالنا وزير الخارجية الأستوني اورماس باييت عندما جاء الى لبنان، لأن أستونيا لا تملك سفارة في بيروت. وسهلنا عملية الاتصال بين الحكومة الاستونية والسلطات اللبنانية. وبعد حصول الاتصال اضطلعنا بدور المرافقة الودية للديبلوماسية الأستونية»، معلناً أن الأستونيين «بصحة جيدة». واعتبر منصور أنه «بهذا الإفراج نكون طوينا صفحة مقلقة بالنسبة الينا، لا سيما ان عملية الخطف تمت على الاراضي اللبنانية». وكان شربل زار مفتي الجمهورية الشيخ محمد رشيد قباني في دار الفتوى، حيث أكد أن الافراج عن الاستونيين «انتصار للدولة اللبنانية، وللشعب اللبناني، لأننا نحن لم نترك هذا الموضوع من الأساس، حتى في عهد الحكومة السابقة تم مباشرة التحقيقات وباشروا بالتحرك، ولعبت القوى الأمنية دوراً مهماً جداً»، وقال: «توصلنا لهذه النتيجة بالتنسيق بين كل الأجهزة الأمنية، من قوى أمن وجيش لبناني وأمن عام وأمن دولة، وبالتعاون والتنسيق كذلك مع الدول الأوروبية، لأن الدولة الأستونية ليس لها سفارة في لبنان»، شاكراً «للدولة الفرنسية النشاط والجهود المبذولة التي قامت بها». وأكد شربل «لكل من يحب المجيء إلى لبنان، أن الأمن في لبنان مستتب وممسوك من قبل الأمنيين في لبنان، وبالتأكيد ممسوك من قبلنا، ونتمنى أن يكون متماسكاً بالحوار من كل الشخصيات السياسية». ولفت الى أن «أهم شيء الحوار الذي سيدعو إليه فخامة الرئيس، وأن تعود طاولة الحوار من جديد، وإن شاء الله نقدر أن نصل بلبنان إلى كل الذي يتمناه اللبنانيون، وننتهي من كلمة 8 ومن كلمة 14، ويكون لبنان واللبنانيون رقماً واحداً وليس رقمين، الرقم واحد هو سيادة وحرية واستقلال». الى ذلك، احتج اهالي بلدة عرسال البقاعية على دس اسم بلدتهم في الأخبار الواردة عن الأستونيين، اذ نقلت وسائل الإعلام صباحاً، أن الإفراج عن المختطفين تم في عرسال. وورد في بيان صادر عن بلدية ومخاتير عرسال، ان الحديث عن اختطاف الأستونيين والإفراج عنهم من عرسال «مقصود، لتشويه سمعة بلدتنا وأهاليها». وطالب البيان من «الجهات المختصة بالاقتصاص ممن يحاولون تشويه سمعتنا، ومن المؤسسات الاعلامية توخّي الدقة والحقيقة قبل اذاعة اي خبر مدسوس». كما نفى المسؤول في «الجبهة الشعبية - القيادة العامة» أبو رامز مصطفى في حديث الى «صوت لبنان» أي علاقة للجبهة بعملية خطف الأستونيين، وقال: «في منطقتي عرسال وسهل الطيبة لا تواجد لعناصر الجبهة على الاطلاق»، معتبراً أن «المعلومات عن تورط الجبهة تأتي في سياق الإساءة الينا والى مواقفنا من عمليات خطف كهذه». وعن دور للجبهة في عملية الإفراج عن الرهائن، قال: «هذا الموضوع في سياق التعاون الدائم بين الجبهة الشعبية والاجهزة الامنية اللبنانية وتحديداً الجيش اللبناني ومخابراته. هذا الجهد هو لبناني وبالتعاون مع مجموعة اصدقاء للبنان وأستونيا ودول للتوصل الى هذه النتيجة».