عاشت مدينة خريبكة المغربية طيلة ثمانية أيام، من 16 تموز (يوليو) إلى 23 منه في احتفال سينمائي رائع، كانت القارة الأفريقية حاضرة فيه بكل ثقافتها الغنية والمتنوعة، وهي تعبر عن ذاتها من خلال الصورة والصوت والكلمات أيضاً. وكان هذا في أفلام سينمائية جمعت بين التعبير عن الماضي بحمولاته الرمزية المعبّرة عن عبق التاريخ الأفريقي، وبين التعبير عن الحاضر وتقديمه من خلال البنيات الاجتماعية والفكرية المتحكمة فيه. كما استطاعت هذه الأفلام السينمائية برمّتها أن تحافظ على الوهج الفني الجامع بين التفكير في الحديث عن القضايا التي تشغل الناس، والقدرة في عملية التحكّم الإبداعي الذي لا يفرط في المتعة الفنية التي تقدمها السينما باعتبارها فناً. هكذا تبارى مجموعة من الأفلام السينمائية الأفريقية من أجل نيل جوائز المهرجان، يمكن ذكر بعضها على سبيل المثال من «ماجد» لنسيم عباسي، الى «الصديق المثالي» لأويل بروون، و «آخر رفة لطائر الحمام» و «كل وحياته» لعلي غانم، مروراً بفيلم «ستة، سبعة، ثمانية» لمحمد دياب، و «في انتظار التصويت» لميسة هيبيي، و «الوتر الخامس» لسلمى بركاش، و «ميكروفون» لأحمد عبد الله، و «النخيل الجريح» لعبد اللطيف بنعمار وغيرها. وقد حظيت هذه الأفلام كلها بمتابعة قوية من جمهور مدينة خريبكة العاشق للسينما، إذ لا ننسى أن هذا المهرجان السينمائي -الذي تأسس في 1977- استطاع طيلة السنوات أن يكون ضوءاً منيراً وشاهداً حقيقياً على المراحل التي مر بها الفن السابع في القارة الأفريقية. والجميل في الأمر أن هذا الجمهور بدوره كان يدلي برأيه أثناء الفسحة الفارقة بين فيلم وآخر، حيث كان كل متفرج يعلن عن الفيلم الذي يتوقع أن يحصل على الجائزة الكبرى للمهرجان. وهذا ما جعل متعة مشاهدة الأفلام المشاركة في المسابقة الرسمية متعة مضاعفة تجمع بين الاستمتاع بالفيلم المشاهد وإبداء الرأي المناسب فيه. وما ساعد في ذلك كون كل هذه الأفلام قد تمت عملية مناقشتها بعد عرضها بحضور إما المخرج أو من ينوب عنه. في يوم الاختتام، وقبل عملية الإعلان عن النتائج، تم تكريم المخرج الأفريقي الكبير ادريسا وادراوغو من بوركينا فاسو، والذي قال مدير المركز السينمائي المغربي نور الدين الصايل عنه، كلمة بديعة لاقت استحسان الجمهور، وهو نفس الأمر الذي حدث مع كلمته في حفل الافتتاح لحظة تمت عملية تكريم المخرج المغربي حكيم نوري. بعد ذلك أعلن الكاتب والناقد السينمائي المغربي المعروف مصطفى المسناوي بصفته رئيساً للجنة التحكيم التي ضمت في عضويتها كل من نجاة الوافي، وبلوفوبكوبا كانيندا، وماريان خوري، وديديي بوجار، ومنصور صورا واد، ومحمد مفتكر، عن النتائج التالية: جائزة ثاني دور رجالي لابراهيما سيرج بايلا عن فيلم «في انتظار التصويت» وجائزة ثاني دور نسائي لناهد السباعي، عن فيلم «678»، جائزة أول دور رجالي لمايك دانون عن فيلم «الصديق المثالي»، جائزة أحسن دور أول نسائي لايما لوحويس عن فيلم «الصديق المثالي»، جائزة السيناريو لفيلم «سفر إلى الجزائر العاصمة» لعبد الكبير بهلول، جائزة أحسن إخراج لفيلم «النخيل الجريح» لعبد اللطيف بنعمار، جائزة لجنة التحكيم لفيلم «الوتر الخامس» لسلمى بركاش. أما الجائزة الكبرى فقد حاز عليها الفيلم المصري «6/7/8» لمحمد دياب. وهو فيلم يدور حول ظاهرة التحرش الجنسي التي تتعرض لها الفتيات والنساء، خصوصاً في الأماكن المزدحمة وفي مقدمتها حافلات النقل العمومي. لقد استطاع هذا المهرجان السينمائي المغربي العريق، في دورته الرابعة عشر هاته، أن يبرهن من جديد على أن السينما الأفريقية قادرة على أن تكون جسراً للحوار بين كل بلدان القارة الأفريقية، كما أنها قادرة على تقديم الغنى الثقافي والتنوع الخلاق الذي تتميز به القارة، كما برهن أيضاً على أن السينما الأفريقية قادرة على التعبير عن نفسها بقوة سواء من حيث المواضيع العامة التي تطرحها أو من حيث المستوى الفني الذي تتم من خلاله عملية التعبير الفني هاته.