لا يشعر فنانو السينما في القارة الأفريقية بالغربة في مدينة خريبكة المغربية، لسببين. الأول هو شهرة مهرجانها الأفريقي الذي يعد حالياً أحد المهرجانين المكرسين للفيلم الأفريقي والمنظمين في داخل القارة، إلى جانب مهرجان وغادوغو، وبالتالي فهو موعد مرغوب فيه بشدة بما له من شهرة، وبما أنه عرف مرور كل ما له اعتبار في حقل السينما الأفريقية مند قرابة ثلاث وثلاثين سنة خلت من مخرجين وممثلين ومنتجين ونقاد ومثقفين. إنه أقدم مهرجان في المغرب. والسبب الثاني هو وجود المدينة في وسط البلاد، على هضبة الفوسفاط الغنية الشاسعة، وهي منطقة عربية، ذات طقس حار جداً صيفاً، وتربتها حمراء تذكر بالفضاء الأفريقي الجنوبي الذي لا تختلف عنه. لقد عرف المهرجان طيلة تاريخه الطويل تغيرات عدة، ابتداء من كونه مجرد ملتقى وأيام سينمائية إلى تحوله أخيراً إلى مؤسسة لها إدارة مستقلة. وهو يتميز بكونه من جهة أخرى ثمرة اجتهاد من طرف النادي السينمائي المحلي ورعاية الجامعة المغربية للأندية السينمائية، وفي كل مراحلها جميعاً كان الناقد السينمائي ومدير المركز السينمائي المغربي حالياً نور الدين الصايل هو الرأس المسير، وهو رئيس مؤسسة المهرجان حالياً، ما يؤكد نزوع المهرجان إلى طابع السينما الإبداعية الفنية المعبرة عن الإنسان والعالم والوجود في القارة الأفريقية، إضافة إلى أعضاء النادي المعروفين بعشقهم السينما كالمهندس عز الدين كريران الحسين الندوفي، فالنشاط السينمائي بالمغرب ككل هو من نتاج وعرق وثقافة رواد الأندية، وخريبكة ونجاحها مثال صارخ على ذلك. اختلال الانتاج عند الحديث عن أفريقيا لا بد من التذكير بوجود ثلاث مناطق تقريباً هي أفريقيا الناطقة بالإنكليزية والبرتغالية وأفريقيا الناطقة بالفرنسية وأفريقيا الشمالية الناطقة بالعربية. وبالتالي فجغرافية المهرجان تحاول أن تراعي هذا التوزيع الجغرافي كي تفي بعرض شامل للسينما بالقارة. لكن ذلك ليس سهلاً في كل الأوقات. فإذا كانت دول أفريقيا العربية تنتج باستمرار أفلاماً بصرف النظر عن عددها، فدول جنوب الصحراء، باستثناء أفريقيا الجنوبية، تعرف اختلالاً واضحاً في الإنتاج، كما أن تلك التي تنتج تعتمد في الغالب على الإنتاج المشترك مع أوروبا، وذلك منذ أول فيلم أفريقي في بداية الستينات. وهكذا لا تغيب دول تونس والمغرب ومصر عن كل دورة، وأفريقيا الجنوبية منذ الدورات الأخيرة. لكن في كل الأحوال يتمكن المهرجان من استيفاء عدد الاثني عشر اللازمة للمسابقة الرسمية. والحق أن السبب الواضح في وجود هذا الاختلال يعود إلى أسباب معروفة أهمها عدم القدرة على صرف المال في مجال فني صعب وغالٍ وهو الذي يمكن إنفاقه في مجالات أكثر حيوية في بلدان عاشت ولا تزال تعيش آثار الفقر وعدم الاستقرار السياسي كما يؤكد ذلك جل المخرجين الأفارقة. لكن الفنّ السينمائي له حواريه وشيوخه العالميي الشهرة، وأفريقيا عرفت بعضهم، وخريبكة استضافت غالبيتهم، ابتداء من العميد السنغالي صمبين أوسمان، مروراً بالمالي سليمان سيسي، والبوركينابيين غاستون كابوريه، وإدريسا وادراغو والمصريين الكبيرين يوسف شاهين وصلاح أبو سيف، وكل الأسماء المعروفة في تونس والجزائر والمغرب... إنها لحالة ثقافية خاصة تتصف بالمثابرة والعناد في سبيل إظهار قارة هي مهد البشرية في صورة قارة تنتج وتبدع، ولها مشاركة في الرمزي الإنساني الواسع المختلف عما عهد عنها من فن فطري وإثني أو موسيقي وتشكيلي فقط. وهو ما لا يتاح دائماً لقلة المساندة القارية، وانعدام بنيات مؤسسية تسهر على إشاعة الفن السينمائي القاري واستمراريته في بلدان عدة، فمثلاً دولة مثل الطوغو لا تتوفر على قاعة سينمائية بتاتاً وهي التي سبق لفريقها الوطني أن شارك في كأس العالم لكرة القدم قبل سنوات!!!. لكن مهرجان مثل خريبكة والذي يُعقد كل عام يشكل كوة ضوء مفتوحة للعرض والنقاش و «المقاومة السينمائية» أفريقيا إن صح التعبير. فوارق وهذا العام عُقدت الدورة الثالثة عشرة، وعرفت مشاركة اثني عشر فيلماً من الطوغو وبوركينا فاسو وجنوب أفريقيا وكينيا وساحل العاج وبنين والنيجر ومصر وتونس والمغرب. وذلك بحضور غالبية المخرجين وبعض الممثلين والمنتجين الأفارقة الذي منحوا المدينة جواً قارياً بامتياز وأثثوا الفضاء المهرجاني بالكثير من الإلفة والحوار والرغبة الكبرى في وجود فن سينمائي محلي بمساهمة كل الدول وخاصة تلك التي لها مؤسسات مثل مصر والمغرب وجنوب أفريقيا. لكن الملاحظة العامة التي يمكن إبداؤها هي وجود أفلام ضعيفة المستوى من جهة أفريقيا الغربية الفرانكفونية التي شاهدنا لها أفلاماً ساذجة للغاية ومهزوزة، وأخرى ذات قيمة فنية عالية من أفريقيا الشرقية أو الأنغلوساكسونية بفيلم «شارلي أدمز» الجنوب الأفريقي الأخاذ والقوي، و «طفل الروح» الكيني الذي يتمتع بإنسانيته وفنيته الكبرى. كما أن أفلام أفريقيا العربية كانت جلها في المستوى المطلوب، وشكلت لحظة جذب قوية خلال عرضها كالفيلم المصري «واحد - صفر» لكاملة أبو ذكري والمغربي «فينك اليام» لإدريس شويكة، ما يجعل التفاوت الفني سمة السينما الأفريقية. وهذا يؤكد صعوبة إيجاد أفلام أفريقية للعرض من كل أنحاء القارة وتتوفر على حد أدنى من الفنية والطابع السينمائي المميز. وهذا يؤسف له كثيراً، ويجعل السينما الأفريقية تحيا إحدى نكساتها الكبرى، بعد الأحلام السبعينية والثمانينية التي راودت الرواد في خلق سينما قارية مميزة وذات حساسية مختلفة. خصوصاً بعد انحسار المساعدة الأوروبية، وطغيان التكنولوجيا في بلدان لم تكن مهيأة لها أصلاً، والتي جعلت دولاً كنيجيريا تعتمد على تصوير أفلام فيديو بدل إنتاج أفلام بالمواصفات العالمية المعروفة. وقد منحت خريبكة بالتالي الجغرافيا السينمائية الأفريقية الحالية بما لها وما عليها، وهذا ما تم نقاشه في الندوة الأساسية التي خصصت للتعاون جنوب - جنوب بالبحث في سبل إيجاد الدعم الأكبر والمشترك لسينما القارة. كما تم نقاش كل الأفلام بالكثير من الإنصات وتبادل الرأي في أفق إعادة خلق أو إحياء جذوة الحلم الفني الأفريقي. وقد تم توزيع الجوائز في اليوم الأخير للأفلام التي قدمت المستوى الفني العالي والمميز، وكما كان منتظراً فقد حاز فيلم «البراق» لمحمد مفتكر على جائزة صمبين عصمان الكبرى، وجائزة التحكيم الخاصة مناصفة لفيلم «فينك اليام» لإدريس شويكة و «شيرلي أدمز» لأولفيي هيرمانوس الجنوب أفريقي. وحاز الفيلم المصري « واحد - صفر» على جائزة السيناريو. وقد ترأست لجنة التحكيم الممثلة القديرة ووزيرة الثقافة المغربية سابقاً ثريا جبران.