بينما لم يزعزع الجمود في العملية السياسية بين إسرائيل والفلسطينيين أركان الحكومة الإسرائيلية بزعامة بنيامين نتانياهو، وهي مسألة لم تعد منذ سنوات ضمن اهتمامات الإسرائيليين الرئيسية إزاء الوضع الأمني المستتب وجنوح الشارع إلى اليمين المتشدد، تنذر أزمات اجتماعية واقتصادية بإشعال شرارة المعركة لإسقاط الحكومة. ومنذ الأسبوع الماضي تتصاعد يومياً الاحتجاجات التي تقوم بها شرائح مختلفة في المجتمع الإسرائيلي، خصوصاً من أبناء الطبقة الوسطى، ضد ارتفاع أسعار الشقق السكنية وأسعار الكهرباء والوقود. وبعد أيام على نصب «خيام الاحتجاج» في تل أبيب والتظاهرة الكبرى ضد ارتفاع أسعار السكن، طرأ تراجع حاد في شعبية رئيس الحكومة، كما أفاد استطلاع صحيفة «هآرتس» أمس، إذ تراجعت نسبة الراضين عن أداء نتانياهو من 51 في المئة قبل شهرين (ارتفعت بعد عودته من واشنطن والمواجهة العلنية بينه وبين الرئيس باراك أوباما على خلفية رفضه الرؤية السياسية التي طرحها الأخير لحل الصراع) إلى 32 في المئة فقط اليوم، وهو معطىً دفع برئيس الحكومة إلى الإعلان أمس عن «خطة عاجلة» لحل الضائقة السكنية من خلال منح الأزواج الشباب وطلاب الجامعات والجنود المسرحين امتيازات خاصة تمكنهم من شراء شقق سكنية بأسعار معقولة، معتبراً ضائقتهم «حقيقية لا مفتعلة» تستوجب التدخل السريع من الحكومة. وأعلن نتانياهو أن خطته تقضي بإضافة 50 ألف شقة سكنية جديدة في غضون نصف عام، بالإضافة إلى توفير 10 آلاف شقة للإيجار بسعر معقول، وتوفير منازل للطلاب الجامعيين في أنحاء إسرائيل. وصرح نتانياهو في مؤتمر صحافي أن الكنيست سيصوت الأسبوع المقبل على إصلاح تشريعي «على نطاق واسع» سيتيح «إلغاء القيود التي تعرقل التخطيط وطرح مساكن في السوق». وأعرب عن معارضته «لاحتكار» الدائرة العقارية للعقارات المخصصة للبناء والتي لا تعطي تصاريح بالبناء عليها إلا «نادراً». وسجل ارتفاع كبير في أسعار المساكن في إسرائيل في السنتين الأخيرتين، وخصوصاً في تل أبيب، ما أثار الخشية من «فورة عقارية» وتسبب بزيادة حادة في بدلات إيجار المساكن. وارتفعت أسعار السكن خلال عام بنسبة 32 في المئة في تل أبيب و17 في القدسالمحتلة، وهو ميل سجل في مجمل أنحاء البلاد في وقت لا تزال الأجور فيه على حالها. وبحسب الاستطلاع فإن 87 في المئة من الإسرائيليين يدعمون الاحتجاجات الشعبية ويرون أنها «مبررة وعادلة» ولا تحمل بعداً سياسياً ولا تقف وراءها جهات يسارية، كما يدعي أقطاب اليمين والمتحدثون باسم الحكومة. من جهتهم أيضاً أكد المبادرون إلى الاحتجاجات أن تحركهم ليس مرتبطاً بموقف سياسي من الحكومة «إنما نريد التغيير الاجتماعي كي نكون قادرين على تحمل الأعباء المالية الكثيرة المطلوبة منا يومياً من تسديد قروض مالية ومواجهة ارتفاع أسعار الوقود والمواد الغذائية وغلاء المعيشة، في مقابل تآكل الرواتب»، كما كتب أحدهم. وكان المحتجون ضد أزمة السكن وارتفاع أسعار الشقق أغلقوا مساء أول من أمس شوارع رئيسية في عدد من كبرى المدن الإسرائيلية، فيما اقتحم عدد منهم مبنى الكنيست للاحتجاج. وتزامنت هذه الاحتجاجات مع مسيرة احتجاجية كبيرة للأطباء الذين يواصلون إضرابهم منذ أكثر من شهر. وقال 85 في المئة من الإسرائيليين إنهم يدعمون مطالب الأطباء، فيما يهدد الطلاب الجامعيون بنشاطات احتجاجية واسعة قبل افتتاح السنة الدراسية بعد شهرين. ونصبت مئات الخيام على مسافة تزيد على نصف كلم في حي راق في تل أبيب. ويتظاهر آلاف الشبان الإسرائيليين في شكل يومي في تل أبيب والقدس وبئر السبع ما يؤدي الى عرقلة حركة المرور بينما يرددون شعارات معادية لنتانياهو. والشعار الرئيسي الذي أطلق عبر «فايسبوك» هو «نكافح من أجل سقف فوق رؤوسنا». ودفعت هذه الاحتجاجات المتسعة رقعتها يومياً نتانياهو إلى إلغاء زيارته لبولندا. وحذر معلقون في الشؤون الحزبية رئيس الحكومة من أنه في حال لم يتدخل بسرعة وفي شكل مقنع لتهدئة المتظاهرين فإن «الأرض ستهتز تحته ومعها سيهتز كرسيه». وحذر معلقون آخرون من الانزلاق إلى الفوضى، بينما ساوى أحد المعلقين هذه الاحتجاجات بتلك في «ميدان التحرير» في القاهرة، من دون أن يستبعد وقوع الشرارة التي تشعل ثورة اجتماعية حقيقية. ولفت معلقون آخرون إلى أن ثمة شعوراً لدى أوساط واسعة في حزب «ليكود» الحاكم بأن الحكومة تعيش بداية مرحلة الانهيار، وأنه بدأت تنبعث رائحة انتخابات قريبة. وأشار هؤلاء إلى أن الخلافات العلنية الحاصلة أخيراً بين أقطاب داخل «ليكود» مردها التنافس بينهم على خطب ود جمهور المنتسبين للحزب وتؤذن ببداية المعركة الانتخابية. وبرأي المعلقين فإنه كلما اتسعت دائرة الاحتجاجات وزاد عدد الخيام وتواصل إغلاق الطرقات، فإن الدائرة المحيطة بنتانياهو ستتقلص. ولا يقتصر هذا الشعور على «ليكود» فحسب، إذ تخشى حركة «شاس» الدينية الشرقية المحسوبة نصيرةَ الشرائح الضعيفة أن تتراجع شعبيتها بصفتها شريكة في الحكومة الحالية. كذلك ليس مستبعداً أن يقوم حزب «إسرائيل بيتنا» بزعامة وزير الخارجية أفيغدور ليبرمان بالانسحاب من الحكومة في حال تبين للأخير أنها آيلة للسقوط «فيهرب كي لا يُحمَّل وحزبه المسؤولية عن تفاقم أزمة السكن». وتقدر نسبة النمو في إسرائيل بمعدل 4,5 في المئة منذ 2004 فيما تراجعت نسبة البطالة الى 6 في المئة غير أن الارتفاع الكبير في كلفة المعيشة ولا سيما في قطاع العقارات أثار غضب الرأي العام. وصرح رئيس الدولة شمعون بيريز بأن «الطبقات المتوسطة ساهمت في شكل كبير في تطوير البلاد وباتت عاجزة عن تغطية مصاريفها حتى نهاية الشهر».