ما أن تُفتح أمامك أبواب الطائرة حتى يتسابق الجميع نحو الخروج، لاسيما وأن أكثرهم قضى بين الأرض والسماء ما يفوق عادة ساعات بقائه في منزله، من ذلك الباب وصولاً إلى ختم يمنحك حق متابعة المونديال على أرض الواقع، تقودك أزقة ضيقة في مطار لا يعكس قيمة البطولة الكروية الأغلى إلى الحصول على ختم دخول البرازيل عبر مطار ساوباولو. في ساحة الانتظار الصغيرة أمام موظفي الجوازات تتعرف على الجنسيات كافة، ضيوف من أفريقيا وشرق آسيا والأميركيتين وأوروبا والعالم العربي، تبدو الحماسة تغطي الملامح، الغريب أن الزحام بينك وبين دورك في الحصول على ختمك المستحق، يتلاشى سريعاً في ظل حرص الموظفين على إنهاء الإجراءات سريعاً، من هناك تسير لتجد في الغالب حقائب سفرك باتت على الأرض بعيداً عن السير الكهربائي الذي يستقبلها عادة، ذلك أن الزحام الشديد يجبر موظفي المطار على إزاحة كل الأمتعة عن السير قبل وصول الركاب، لمنح الجهاز ذاته فرصة نقل أمتعة جديدة ملاكها لا يزالون بانتظار دورهم في الحصول على الختم. خلال نصف ساعة وقبل يومين من المونديال ستجد نفسك في فناء مطار ساوباولو، حيث تبهرك الأجواء الرطبة الباردة، وإن كنت من أولئك الذين نجحوا في تأمين رحلتهم إلى الفندق، فالسائق سيكن بانتظارك في صالة انتظار المطار الضيقة، صغر حجم المطار يسرع من عملية الوصول، لكن الزحام الكبير يزيد من أعباء السفر. طوال الرحلة وخلال مواعيد الانتظار يستهويك تقليب لمواقع التواصل الاجتماعي، لتتلقى التحذيرات من الأخطار الأمنية في البرازيل، تلك المخاوف تتحول حقيقة، خصوصاً وأنك حتى لحظة وصولك إلى الفندق لا تتلمس أي معالم تشير إلى احتفال كروي كبير. في الطريق من مطار ساوباولو إلى فندق في وسط العاصمة تلتقيك لافتتان أو ثلاث لترحيب بضيوف المونديال، لكن الإعلانات التي تراها في دول عربية عدة للتسويق للمونديال أو العروض الترويجية المصاحبة له تفوق تلك الموجودة هنا، فاللافتات تقول ثلاث منها شكراً لكم على وجودكم، قبل أن تنتهي أية إشارة إلى المونديال، باستثناء أعلام البرازيل التي يضعها السكان المحليون على مركباتهم استعداداً لمباراة منتخبهم الافتتاحية. الكلب كريس الأكيد أنك سمعت عن ركاب الدرجات النارية المسلحين الذين يحولون المخاوف الأمنية إلى واقع، «كريس دوغ» أو الكلب كريس كما يسميه قائد التاكسي، إذ يؤكد أن ذلك المصطلح المحلي يطلق على ركاب درجات نارية يتجنبون الزحام بالتحرك بشكل سريع بين المركبات وتجاوز الجميع، لكنهم في حالات مغايرة يهددون ركاب سيارات الأجرة ويسلبون من السياح هواتفهم المحمولة أو النقود التي يحملونها، لا تبحث عنهم، فأنت ستتعرف عليهم منذ بداية طريق المطار الزاخر بهم. وفاة راكب دراجة نارية هي حال تتكرر يومياً وفق دراسة أمنية برازيلية، راكبو الدرجات النارية يتنقلون سريعاً بين المركبات، ما يعرضهم في الغالب لمخاطر الحوادث، تلك الدرجات النارية تمر بسرعة عالية وبضجيج مفاجئ من جوار نافذتك وعلى مقربة كبيرة منك، ما يمنحهم فرصة تهديدك في حال توقف السير، وبحسب الأنظمة المحلية المرعية هنا فإن مالك الدراجة النارية ممنوع من نقل راكب ثان على متنها، ذلك أن خطوة كتلك ستتسبب في خطر أكبر على الركاب، إضافة إلى منحها ركاب الدراجات النارية فرصة أكبر للسرقة إن أرادوا ذلك. طرق محبطة غياب الإعلانات الضخمة لكأس العالم أو حتى روح كرة القدم التي تتخيل دائماً أنها حاضرة في البرازيل يغيب حماستك الكروية، في الطريق إلى الفندق تمر بزحام مناطق سكنية تختلط بها بنايات شاهقة تعج بالمكاتب التابعة لشركات محلية، وسط هذا الزحام تقبع فنادق لا تظهر كعادتها في دول سياحية عدة بارزة على الشوارع الرئيسة. قبل الوصول إلى تلك المناطق يقودك الطريق إلى وسط ساوباولو للمرور على أحياء فقيرة تستخدم بنايتها القديمة في الغالب كمصانع للأثاث المنزلي، لا شيء منها بالطبع يشبه المصانع الضخمة التي تتخيلها، غالبها يأتي على هيئة محال تجارية صغيرة، فيما تستغل المساحة الخلفية لصناعة الأثاث، خلال الطريق تجد متعتك الأكبر في متابعة أعمال ال«غرافتي» التي تزين الشوارع القديمة وجدران الأنفاق المهترئة. الغريب أن كل لوحة برازيلية يحتفظ بها ذهنك تظهر صورة لأطفال يلعبون كرة القدم وقت المغيب، تلك الصورة لن تراها في الطريق إلى الفندق غالباً، فساوباولو وبحسب قائد التاكسي مدينة لا تحظى بملاعب صغيرة كتلك، في ظل ازدحام وسطها بالأعمال التجارية والشركات. تعليمات أمنية حاول الاندماج نصيحة لا ينسى أي برازيلي تلتقيه أن يمليك إياها، بالنسبة إلى العرب وعلى غير العادة لا تبدو تلك النصيحة صعبة الاتباع، فملامحك تبدو في البرازيل مقاربة لملامح السكان المحليين، محاولتك الاندماج تعني بحسب البرازيليين تجنب ارتداء الساعات أو المجوهرات مهما كانت رخيصة الثمن، فتلك وبحسب نصائح أهل البلد تمثل دعوة صريحة للنشالين بتأدية دورهم. تجنب الخروج في ساعات متأخرة من الليل لا يحتاج إلى نصيحة، فمظهر الشوارع في ساعات متأخرة كفيل بتقديم النصيحة لك بهدوء تام، ستدرك وقت المغيب أن ساعة العودة إلى الفندق حانت. المشكلة الأكبر ربما تتمثل في غياب اللغة المشتركة، فحين توجه حديثك لموظفي الفندق بالإنكليزية، فإن قلة منهم فقط ستجيب عن استفسارك باللغة ذاتها، وردك عليهم بأنك لا تفهم البرتغالية لن يجدي نفعاً، إذ سيأتي الجواب حاضراً بالقول: «لا أجيد الحديث بغيرها»، لذلك فإن لغة الإشارة ومحاولة التواصل بأبسط الكلمات هو الحل، أو تلمس الكلمات البرتغالية التي تشبه الإنكليزية لتفهم مضمون ما يقوله مخاطبك، المسألة معقدة لكن لا حلول أخرى.