قديماً كان الخاسر في حرب يُقتل، وربما قُتل معه جيشُه وشعبُه. كان الخاسر يُقطع رأسه أو يقطّع إرباً. وتقدم العالم، وأصبح الخاسر يُعدَم بالمقصلة الفرنسية أو الرصاص. وازداد العالم تقدماً، وأصبح الخاسر يحاكَم ثم يُعدم، كما حدث لمجرمي الحرب النازيين في نورمبرغ. اليوم، أنا من فريق يعارض حكم الإعدام (باستثناء جرائم اغتصاب الأطفال وقتلهم)، لذلك أجد خاسرين يفترض أن ترشحهم خسارتهم للموت، إلا أنهم باقون في مواقعهم يروجون للسياسات المجرمة نفسها ولا من يحاسبهم. أتحدث تحديداً عن إدارة جورج بوش الابن، أو عن عصابتي الحرب فيها، طلاب إمبراطورية أميركية تحكم العالم بقيادة ديك تشيني ودونالد رمسفيلد ومحافظين جدد يعملون لإسرائيل ولو دُمِّر العالم كله في المقابل، أمثال بول وولفوفيتز ودوغلاس فايث وايليوت ابرامز وجون بولتون من داخل الإدارة، وألف ليكودي فاشستي من خارجها. في زمن مضى، كان هؤلاء يُقتلون، فهم تآمروا ولفقوا أسباب الحرب على العراق وقتلوا أكثر من مليون عربي ومسلم حتى الآن (بعد موت نصف مليون طفل عراقي في الحصار المجرم السابق)، وهم لو عاشوا قبل ألف سنة أو ألفين، لصُلبوا وعُلِّقوا على بوابات بغداد لو وجد ما يكفي منها. غير أننا في القرن الحادي والعشرين، لذلك لا أرشح مجرمي الحرب للسيف أو الصلب أو المقصلة، وإنما أقترح أن يوضع كل منهم في زنزانة في معتقل غوانتانامو، ويرمى المفتاح في البحر، ثم يدير المعتقل السجناء الحاليون فيه. الأسماء كلها معروفة، وبما لا أحتاج معه إلى أن أسجلها هنا، وكذلك دور البحث والمطبوعات التي بثوا منها سمومهم، والإنترنت مصدر يمكن استعماله بسهولة لمعرفة التفاصيل. الموضوع موسوعي، وفي عجالة صحافية لا أستطيع سوى الإيجاز وتقديم مَثَل أو اثنين، ووجدت الخيار واسعاً، فهل أتكلم عن وليام كريستول، ابن ارفنغ، أو ابن أبيه في التطرف الليكودي، أو نورمان بودهوريتز، أو فرانك غافني، أو روبرت كاغان، أو كنيث أدلمان، الذي زعم أن اجتياح العراق سيكون نزهة، وبكى فرحاً في أحضان ديك تشيني عندما بدأت الحرب، أو ديفيد هوروفيتز الذي جعل مهاجمة الإسلام والمسلمين قضيته اليومية، والى درجة تأليف كتاب ضد أساتذة جامعيين أميركيين يعارضون تطرفه. كدت أختار دانيال بايبس بعد أن اختاره بوش الابن عضواً في معهد السلام الأميركي، فكان كمن يسلم الثعلب أمن قن الدجاج. وبايبس ليكودي حتى العظم وعنصري حقير، قال يوماً: "كل المهاجرين يحملون معهم عادات وتقاليد غريبة، ولكن عادات المسلمين أكثر إثارة للقلق من غيرها. المجتمعات الأوروبية الغربية غير مستعدة للهجرة الهائلة من ناس لونهم أسمر يطبخون طعاماً غريباً وليس عندهم المستوى الألماني في النظافة". هذا كلام نازي، فقد اتهم النازيون اليهود بالقذارة، والمتطرفون أمثال بايبس يتاجرون بالمحرقة كل يوم ثم يتصرفون كالنازيين الجدد، من حكومة نتانياهو حتى لوبي إسرائيل في أميركا. وآخر ما قرأت له نفي تهمة أن الصهيونيين سرقوا فلسطين من أهلها، ما يعني أنها صحيحة طالما أن هذا المتطرف ينفيها. في النهاية، تجاوزت بايبس واخترت مثلاً صارخاً على مجرمي الحرب الذين لم يعاقبوا حتى الآن، مايكل ليدين، الذي تقلب بين مطبوعات ودور بحث متطرفة، وحرض على العراق، ودم الأطفال على يديه، وهو بعد أسابيع من الاحتلال دعا الى مهاجمة إيران "أم الإرهاب الحديث"، وأنا أقول إن إسرائيل أمُّ الإرهاب وأبوه، واسمها مرادف للإرهاب، ثم طالب بمهاجمة سورية ولبنان أيضاً، وتحدث عن تدمير خلاق (بعد الفوضى الخلاقة التي طالب بها المؤرخ الليكودي برنارد لويس)، أي قتل العرب والمسلمين، وزهرة شباب أميركا معهم، خدمة لإسرائيل. كل ما سبق يكفي لصلب ليدين قبل ألف سنة، وللسجن المؤبد كما أطالب اليوم، غير أن هناك جانباً أسوأ لعمله هو سبب اختياري له نموذجاً لكل المتطرفين أنصار الإرهاب الإسرائيلي. ليدين عمل سنة 1979 و1980 مستشار إرهاب لدى الاستخبارات العسكرية الإيطالية (SISMI) وكانت له علاقات مع المحفل الماسوني P2، وتعامل مع الجاسوس الإسرائيلي ديفيد كيمحي وتاجر السلاح الإيراني منوشهر غوربانيفار. خلفيته في إيطاليا جعلته المشتبه به الأول في تزوير وثائق زعمت أن العراق حاول شراء يورانيوم من النيجر (فضيحة الكعك الأصفر)، وهي وثائق كشف الدكتور البرادعي ووكالة الطاقة الذرية زيفها، ومع ذلك استعملتها إدارة بوش ضمن مبررات الحرب على العراق. وأرجو القارئ القادر أن يكمل البحث على الانترنت وأن يقرأ ما قال مسؤولون سابقون وخبراء إرهاب أميركيون عن هذا الليكودي العنصري. كنت أتمنى لو أن عندي من المال ما يكفي لأكلف محامين ومحققين خاصين كشف دور ليدين، إن وجد، في تزوير وثائق النيجر، فهي وحدها تكفي للسجن المؤبد في زنزانة صغيرة يلقى مفتاحها في البحر. [email protected]