أين المرأة العربية من المشاركة السياسية في عملية صنع القرار ضمن الأحزاب والنقابات؟ سؤال يثير عند طرحه أفكاراً سلبية كثيرة مرتبطة بالوضع السياسي للمرأة. فهي مهمّشة، مُستبعدة، مقصاة عن عملية صنع القرار على رغم أنّها تشكّل نصف المجتمع. وهذه ليست أفكاراً نمطية أبداً، بل هناك أرقام ودراسات تؤكد هذا الواقع. فهل من المقبول مثلاً في مصر حيث «صنعت» المرأة إلى جانب الرجل ثورة 25 يناير أن تكون نسبة مشاركتها في عضوية الأحزاب السياسية 1 في المئة فقط وفق المركز المصري لبحوث الرأي العام؟. أمّا في الأردن، فإنّ النسبة تصل إلى 7.5 في المئة وفق دائرة الإحصاءات العامة مع احتساب المشاركة النسائية في النقابات. وفي لبنان، لم تتحوّل مشاركة المرأة الواسعة في الأحزاب تحديداً إلى اختراقات نحو المستويات العليا والمناصب الرئيسة. كما أنّ الحال لا يختلف كثيراً في تونس، حيث حاولت النساء جاهدات أن يثبتن أنفسهن أثناء الانتفاضة التي أطاحت نظام الرئيس زين العابدين بن علي. لكن مع تتابع التحوّلات السياسية يتزايد القلق من أن تفقد المرأة المكاسب التي حقّقتها إبان الثورة مع عودة الأدوار التقليدية للجنسين وبروز الشخصيات النمطية مجدداً، طبقاً لدراسة أجراها المعهد الديموقراطي الوطني. وتشير هذه الإحصاءات والدراسات إلى وجود عوائق عدّة تقف في وجه المشاركة النسائية الفاعلة في عملية صنع القرار ضمن الأحزاب والنقابات. وهذا ما تحاول أن تتصدّى له مجموعة من المنظّمات المنتشرة في بلدان عربية، وهي مركز الدراسات النسوية (فلسطين)، مؤسسة قضايا المرأة (مصر)، المعهد العربي لحقوق الإنسان (تونس والمغرب) والتجمّع النسائي الديموقراطي اللبناني (لبنان)، وذلك ضمن إطار مشروع ينفّذ بتمويل من الاتحاد الأوروبي وبالشراكة مع «أوكسفام نوفيب» تحت عنوان «تعزيز دور الأحزاب والنقابات في النهوض بالمشاركة السياسية للنساء». لا تحمل هموم النساء تشرح منسّقة المشروع الإقليمي منار زعيتر ل «الحياة» عن توقيت هذا التحرّك والأسباب التي دفعت المنظّمات إلى الاتحاد بهدف تنفيذه. فبعد أحداث «الربيع العربي»، انبثقت حركات نقابية وحزبية جديدة وإذا لم يتمّ التحرّك الآن ضمن هذه الدول لصون حقوق المشاركة السياسية للمرأة، فانتزاعها بعد سنوات سيكون صعباً. وهذا الأمر ينطبق على مصر وتونس خصوصاً. أمّا في لبنانوفلسطين والمغرب، وهي الدول الثلاثة التي يشملها المشروع ولم تعِش ثورات «الربيع العربي»، فهناك وجود نسائي في الأحزاب والنقابات لكن من دون أي مشاركة فعلية على صعيد صنع القرار. فالنساء الحزبيات أنفسهن لا يحملن قضايا المرأة ولا يرفعن الصوت للمطالبة بحقوقها كما هو واجبهن. وقد سبق إطلاق المشروع القيام بدراسات في الدول المعنية، توصّلت إلى أهمية محاكاة النساء الموجودات أصلاً ضمن الأحزاب والنقابات لمساعدتهن على تأدية دورهن، ويكون هناك عمل موازٍ مع النساء غير المنتسبات للأحزاب والنقابات لتعزيز مشاركتهن السياسية. وما لوحظ في الدراسات أيضاً، كما تلفت زعيتر، أنّ النساء المنضمات إلى الأحزاب والنقابات يتمتعن بوعي سياسي عالٍ، لكن وعيهن للمشاكل التي تعاني منها المرأة والقضايا التي تحتاج النضال من أجلها ليس بالمستوى المطلوب. وهذا ما يؤثر مباشرة في أدائهن ضمن المنظّمات التي ينشطن فيها. لذا فإنّ المشروع يرتكز على الندوات التدريبية وورش العمل مع النساء بالشراكة مع الأحزاب والنقابات ذاتها، وذلك في ما يختصّ بقضايا الأحوال الشخصية وعمل المرأة وغيرها. أمّا النساء المستقلات فلهن مساحتهن ضمن المشروع أيضاً من خلال ورش التدريب على المشاركة السياسية، حيث ستركّز الجهود على نساء لديهن الرغبة في المشاركة ضمن الانتخابات البلدية أو النيابية أو سبق أن كان لهن تجربة في هذا المجال، لكي يستطعن تجاوز العوائق التي توضع أمامهن بسبب العقلية الذكورية التي لا تزال مسيطرة في المجتمعات العربية. محاكاة الفئات الشبابية يحاول هذا المشروع الإقليمي أن يكسر الصورة النمطية القائلة إن المشاركة السياسية للمرأة محصورة بفئة عمرية محدّدة أو اتجاه مهني معيّن، وغيرها من المعايير التي يمكن أن تمثّل تحدّيات فعلية أمام تواجد المرأة في المشهد السياسي. فهو يحاكي الفئات الشبابية في شكل مباشر من خلال حملة أطلقت على مواقع التواصل الاجتماعي تحت عنوان «ناضلنا سوا... منقرر سوا»، في إشارة الى دور المرأة على صعيد صنع القرار وليس فقط التواجد ضمن صفوف الأحزاب والنقابات. وفي لبنان تحديداً، توسّعت هذه الحملة لتشمل لوحات إعلانية نشرت على الطرق في مختلف المناطق، إضافة الى إعلانات تلفزيونية وإذاعية. وكان لافتاً أنّ النساء اللواتي حملن شعار الحملة هنّ يافعات من جهة أولى، ومن صلب الأحزاب اللبنانية من جهة أخرى، إضافة إلى صحافيات وصحافيين وناشطين من المجتمع المدني. وإذا كانت هذه الحملة أدّت دورها على صعيد لفت الانتباه إلى أهمية عدم إسقاط موضوع المشاركة السياسية للمرأة وتهميشه باعتبار أنّ هناك أولويات أخرى، فالاستمرارية تكون في الخطوات التي تتخذها كلّ امرأة سواء كانت حزبية أو نقابية أو مستقلة لتثبت نفسها وإمكاناتها، وتكون صوتاً نسائياً صارخاً ضمن بيئة هيّمنت عليها الذكورية منذ عقود.