بعد دقائق قليلة من اصدار خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز اوامره بدعم الاعلاف ومدخلاتها بنسبة 50 في المئة وتشديد مراقبة الأسواق وإنزال أقصى العقوبات تجاه كل متكسب جشع، بدأت وكالة الانباء السعودية ومواقع الصحف تبث لنا اخبار شركات الدواجن المحلية التي اعلنت عن تخفيض اسعار منتجاتها تجاوبا مع الاوامر الملكية. الا ان طريقة نقل الاخبار الى المستهلك من هذه الشركات بدت وكأن هذه الشركات تنازلت عن نسبة من ارباحاها تجاوباً مع نداء الملك، فيما الصحيح ان هذه الشركات خفضت اسعارها تبعاً لما تمثله نسبة الإعانة من تخفيض على أسعار الأعلاف المستخدمة، فهل كانت هذه الشركات تحتاج الى كل هذه الدعاية والتوريج عن نفسها، فهي ملزمة بالتخفيض سواء اعلنت او لم تعلن، ولكن يبدو ان مجتمع رجال الاعمال في السعودية درج على هذا الاسلوب في نشر الاخبار واعتبار انهم متجاوبون، وهذه ليست المرة الاولى التي تسارع فيها الشركات الى نشر اخبار تتماشى مع القرارات الملكية، وينقل اعلامنا مثل هذه الاخبار في تلهف، اما خشية انقطاع اعلانات هذه الشركات في صحفها وتقطع فيها رقاب الموظفين الصحافيين، او مجاملة لرجل الاعمال الذي ربما يكون عضو مجلس إداراة فيطلب ان ينشروا له كل اسبوع خبر. وهل ستنشر الصحف اخبار 400 شركة سعودية تعمل في مجال انتاج الدواجن الذين استجابوا للاوامر الملكية؟ الحقيقة ان الامر الملكي واضح ولا يحتاج الى تاويل او تسويف او حتى المزايدة عليه، وحتى تتاكدوا ان هذه الشركات لم تستجب برغبتها بل رغماً عنها، فقد خفضت بعد صدور القرار الملكي، ولو انها بادرت بتخفيض الاسعار قبل صدور القرار لقلنا انه بالفعل موقف شجاع، إذ تكرمت وتنازلت عن نسبة من ارباحها من اجل المستهلك، ولا اذكر يوماً ان القطاع الخاص في السعودية كان شجاعاً في تحمل مسؤوليته، ولولا تدخل الدولة في كل مناحي الحياة لتحولنا الى مطامع واهداف للقطاع الخاص في تحقيق مكاسب وارباح عالية وسريعة، مستغلاً بذلك الثغرات النظامية في ملاحقة محتكري السوق والمسيطرين على المنتجات الاساسية، في ظل عدم وجود قوانين وانظمة تضرب بيد من حديد كل من يتلاعب بالسوق. القرارات الملكية بضبط الاسعار جاءت في وقتها المناسب، فالامن الاقتصادي مهم جداً لضبط الشارع وانفعالات الناس وغضبهم، نعم هناك انفالات في الاسعار ووزارة التجارة والجهات المعنية غير قادرة على ضبطها، قبل اسابيع كانت الاسعار في المدارس الاهلية، تبعتها الالبان، والان دخلت الدواجن واللحوم، وقبل اسابيع اعلنت شركات المواد الغذائية استعدادها لرفع الاسعار، زيت الطعام، الارز، والادوية بكل انواعها هي اصلاً مرتفعة من دون انضباط، ولا نعرف الجهة المعنية بمراقبتها؟ هل وزارة الصحة ام وزارة التجارة ام هيئة الغذاء؟ ومن يضبط قطاع البناء والمقاولات والايجارات واسعار الاراضي؟ الأمن الاقتصادي مطلب مهم لحفظ المجتمع من اي تصرفات عشوائية من افراد او ردة فعل عكسية نتيجة المبالغة في الاسعار امام مداخيل منخفضة وغياب رقابة، لهذا جاءت القرارات الاخيرة التي حملت عبارات تهديد ووعيد لمن يخالف، وجاء بيان وزارة الداخلية الذي اعتبره تدخلاً مهما لملاحقة ومعاقبة من يكدس الشعير بغرض احتكاره ورفع اسعاره، جاء ليضع حداً للمتلاعبين والمحتكرين، ليأتي بعد ذلك القرار الملكي الاخير شاملاً كل السلع: «على جميع الجهات المعنية اتخاذ اللازم بتشديد مراقبتها للأسواق، وأسعار السلع، وإيقاع أقصى العقوبات تجاه كل مخلّ، أو متكسب جشع». حسناً: بعد هذه القرارات ما هو المطلوب منا كمستهلكين؟ في حال عاد التجار الى المراوغة ورفع الاسعار وانتقموا منا كعادتهم؟ وهل يكفي المراقبون التابعون لوزارة التجارة لضبط الاسعار، وهل تكفي جمعية حماية المستهلك التي تعيش حالة توهان بين اعضاء مجلس الادارة ورئيسها؟ يجب ان تنطلق مبادرة من قبل المستهلكين مثلما انطلقت في كارثة سيول جدة وتشكلت فرق تطوعية للمساعدة والانقاذ، اذ من الضروري ان تتشكل فرق مراقبة تطوعية من الشباب والشابات في المدن السعودية تكون عيوناً للدولة للابلاغ عن اسماء الشركات المتلاعبة وغير المنضبطة، وهؤلاء المتطوعون سيسهمون في مراقبة الاسعار، وكما توجد هناك قائمة للمتعثرين عن السداد في البنوك المحلية، يجب ان نعد قائمة سوداء للشركات والمؤسسات ورجال الاعمال الذين يتلاعبون بالاسعار، ويعرف عنهم الجشع والكسب غير المشروع. * اعلامي وكاتب اقتصادي. [email protected]