سلك رئيس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد محمد الشريف «طريقاً متوازناً»، في لقائه التلفزيوني الثالث منذ توليه زمام أحدث جهة رقابية شغلت الناس قبل نحو 4 أشهر، إذ كان يقترب من المواطن ويشاركه همومه في أن «ينحسر الشعور بوجود الفساد»، عبر نظام ولوائح ووسائل ستتبعها هيئته، غير أنه لم يفصح بعد كل آليات العمل التي ستنتهجها الهيئة أعمالها، لكنه أعطى جواباً مريحاً للكثيرين بأن الهيئة لن تستثني «كائناً من كان». اللقاء التلفزيوني لرئيس الهيئة كشف بعضاً من الأولويات التي ستتوجه لها الهيئة، وهي «المشاريع الحكومية»، إذ كان يرددها الشريف في أكثر من موضع، مشيراً إلى الهيئة «ستراقب جودة المشاريع الحكومية وستتابع أي خلل يحدث بعد استلامها»، مشدداً على أن هيئته ستهتم بالوقاية وسد منافذ الفساد، ومراقبة إجراءات منح التراخيص وتسهيلها، مبيناً أن الرقابة ستكون على الجهات ذات الدور المباشر وغير المباشر بالدولة، لمراقبة المال العام، وتحري قضايا الفساد عن طريق الجهات الرقابية والحكومية. وحرص الشريف في بداية اللقاء على التنويه بأن الهيئة ستحظى باستقلالية مالية وإدارية كاملة، وترتبط ارتباطاً مباشرة برئيس مجلس الوزراء الملك عبدالله بن عبدالعزيز، الذي يريد إعطاءها استقلالية تامة عن الأجهزة الحكومية الأخرى، لتكون «أداة لحماية النزاهة، وإشاعة مبدأ الشفافية، ومكافحة الفساد»، غير أنه أكد عدم وجود تعارض مع الأجهزة الرقابية الأخرى، «إذ أن العلاقة معها ستكون تكاملية، وكل يقوم بدور معين وليس بينها ازدواجية أو تعارض، إذ أن الهيئة تكشف عن الفساد بعد أن تتحقق منه، ومن ثم تحيلها لجهات التحقيق، بمتابعة من هيئة الفساد، إلى أن يكتمل التحقيق، ثم ترفع إلى الجهات القضائية، خصوصاً أن من مهام الهيئة التأكد من متابعة تنفيذ الأحكام». وأتضح من إجابات الشريف، أن الهيئة وحتى بعد انتقالها للمقر الجديد، لن تبدأ أعمالها فعلياً حتى تكتمل بعض اللوائح، غير أنه لم يحدد وقتاً معيناً لانطلاق أعمال الهيئة، على رغم أنه أكد ورود شكاوى من المواطنين والمقيمين: «منذ ثاني يوم استلمت فيه عملي»، مبيناً أنه سيصبح للهيئة مقراً يبدأ العمل فيه خلال رمضان، سيكون عند تقاطع شارع العليا مع التخصصي بالرياض، موضحاً أن الهيئة ستفتتح فروعاً لها في بعض مناطق المملكة بعد السنة الأولى. ودعا المواطنين والمقيمين للمشاركة في كشف الفساد لأنهم «شركاء لنا»، لافتاً إلى أن هناك لائحة مكافآت لمن يدلي بمعلومات صحيحة تقود إلى كشف قضايا الفساد، مشيراً إلى أن الهيئة تعمل حالياً على البحث عن أفضل السبل التي ستتلقى فيها البلاغات، لافتاً إلى أن الهيئة ستحمي المُبلِّغين عن قضايا الفساد في الإدارات الحكومية في حال تعرضهم لأية مضايقات، وستقوم بصرف مكافآت مالية وعينية لهم نظير تقدمهم ببلاغات تثبت صحتها، غير أنه أكد أن الهيئة ستعد لائحة لضبط التبليغ، لكي «لا تتحول إلى دعاوى كيدية»، مشيراً إلى أن مشاعر المواطنين وتقديرهم لخادم الحرمين الشريفين في إنشاء الهيئة، «يدفعنا إلى التفاؤل بمساعدة الهيئة في مهماتها، وأن نعمل على تقليص مظاهر الفساد وإشاعة الشفافية والتعاون في مجتمع متعاون يحارب الفساد، وتقدير النزهين وحمايتهم ومكافأتهم». وأقر الشريف، بأن هناك جهات لم تنفذ بعد ما ورد في الإستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد التي صدرت قبل نحو 5 أعوام، غير أنه كشف بأن تلك الجهات بدأت باتخاذ الإجراءات اللازمة للعمل بها، بعد أن بادرت الهيئة بالاتصال بالجهات الحكومية لسؤالها عن ما اتخذه بخصوص الإستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد. وعلى رغم أن الشريف لم يفصح بعد عن كل ما لدى الهيئة من آليات عمل بسبب أن العمل ما يزال جارياً على إعداد اللوائح، إلا أن مراقبين أكدوا أن إعلانه عن إعداد لائحة لكشف الذمة المالية لموظفي الدولة «المتنفذين» قبل تسلمهم مناصبهم، الذين تؤثر قراراتهم في المال العام، وكذلك المشرفين على المناقصات الحكومية وإدارات الشؤون المالية وغيرها، أعطى ارتياحاً عاماً لدى المواطنين، وشعوراً بأن «أشكالاً من الفساد ستتقلص بالفعل»، إذ ستبحث لائحة الذمة المالية المدخرات الموجودة لدى هؤلاء الموظفين وأملاكهم بعد تعيينهم مباشرة في مناصبهم، للتأكد من عدم وجود أية مخالفات مستقبلاً، بيد أنه شدد على أن الهيئة لن تكشف عن أسماء المتورطين إلا بعد ثبوت الاتهام. وأعلن عن وجود خطط لمراجعة الأنظمة الحكومية التي يمكن أن يتم إساءة استعمال السلطة من خلالها، وكذلك مراجعة إجراءات الجهات الحكومية الخدمية التي تؤدي أعمال منح التراخيص والخدمات العامة للمواطنين وجعلها في أماكن واضحة، إضافة إلى اختصار بعض الإجراءات الحكومية الطويلة، والدعوة إلى استعمال التقنية الحديثة، «بحيث أنه من الممكن أن يحصل المواطن على الرخصة وجواز السفر عن بعد بدلاً من أن يذهب ويراجع ويتكلف ويسبب ازدحام ومشكلات أخرى». وحول الرقابة على هيئة الفساد ذاتها، أكد أن الهيئة ستضع من الوسائل الذاتية لديها ما يضمن النزاهة في أعمالها والحياد وجودة الأعمال والرقابة المالية عليها، وإيجاد إدارة للمراجعة الداخلية وهي رقابة سابقة ولاحقة، مبيناً أن من شروط توظيف موظفي الهيئة تأدية القسم الداخلي الخاص بموظفي الهيئة، وأن يكون صاحب حكمة وأمانة، وألا يكون سبق أن صدرت بحقه أية مخالفة شرعية. ونبه إلى أن من اختصاصات الهيئة متابعة من ما يصدر من أوامر وتعليمات ومن ضمنها الأوامر الملكية التي تناولت كثيراً من الأمور منها التوظيف والإسكان والشأن العام، إذ أن من واجب الهيئة المتابعة والتأكد من أنها تنفذ في الأوقات المحددة، لافتاً إلى أنه في حال لو تبين أن أحد الجهات ثبت تأخيرها أو لم تنفذ الأمر الملكي، سنعرض ذلك الأمر على خادم الحرمين الشريفين. وأبدى الشريف اهتماماً بالإعلام، قبل أن ينتهي اللقاء التلفزيوني، قائلاً، «أنتم (الإعلام) شركاء لنا، لما لوسائل الإعلام من دور في كشف الفساد، إذ أن الهيئة تتابع كل ما ينشر في وسائل الإعلام وتتحقق وتتأكد منه»، مشيداً بجهود بعض الكتاب اللذين أسهموا في التنويه عن مواطن الفساد.