أعلن الرئيس العراقي جلال طالباني أن تمديد بقاء القوات الأميركية في العراق «أمر شبه مستحيل»، مبرراً ذلك بأن غالبية برلمانية ضد هذا التمديد، على رغم الحاجة إليها للمساعدة في التصدي ل «القاعدة» التي استعادت نشاطها في بعض المحافظات، ولتعويض النقص في القوات الجوية والبحرية والاستخبارات. تصريح طالباني الواقعي يستند إلى مواقف الكتل النيابية المعارضة للتمديد، وتهديد الصدر بالعودة إلى العمل العسكري، وقبل ذلك كله إلى الموقف الإيراني المناهض للوجود الأميركي، واستخدام طهران هذه الورقة في أي تفاهم محتمل مع واشنطن، التي لن تترك العراق للفراغ بعد كل التكاليف المادية والبشرية التي تكبدتها منذ الاحتلال حتى اليوم. والفراغ الذي نتحدث عنه ليس ناتجاً عن التوغل الإيراني في المؤسسات العراقية، وفي شرايين الاقتصاد العراقي فحسب، بل هو نتيجة طبيعية لغياب أي مشروع عربي في مواجهة هذا النفوذ المتزايد. وعندما نقول «مشروع عربي»، نعني أيَّ توجه إستراتيجي رسمي عربي، حتى المنتفضون ضد الأنظمة المنهارة في مصر واليمن وتونس وسورية، يغيب عن طروحاتهم وشعاراتهم أيُّ تلميح إلى مثل هذه المسائل، أي أن التقصير يشمل الأنظمة وقادة الانتفاضات أيضاً. لكن هذه مسألة أخرى. في مقابل تصريحات طالباني الواضحة والصريحة، نلاحظ تصريحات أميركية تشير إلى قبول بغداد بالتمديد للقوات إلى ما بعد عام 2011، لكنها تبقي الباب مفتوحاً لاحتمال فشل الضغوط على الحكومة العراقية. لذا، تتناول المفاوضات بين الطرفين، على رغم نفي العراقيين وجودها، بقاء قوة عسكرية لحماية السفارة والقنصليات و «المصالح»، قوامها حوالى 20 ألف عسكري. ومن المنطقي أن يتوصل الطرفان إلى التفاهم على هذه المسألة لتفادي توقيع اتفاق جديد وعرضه على البرلمان لإبرامه، فضلاً عن أن هذا المخرج يعفي الحكومة العراقية من الإحراج ومن مواجهة رفض تيار الصدر وجماعات أخرى تشكل العصب الأساسي للعملية السياسية التي حرصت أميركا على استمرارها كمؤشر وحيد لنجاحها في العراق. فضلاً عن ذلك، تكون الولاياتالمتحدة تلافت أي محادثات مع إيران في الشأن العراقي حالياً. وإضافة إلى اضطلاع القوات الأميركية، المتوقع بقاؤها في العراق، بحماية مصالح واشنطن، ستكون لديها مهمة الإشراف على تنفيذ الاتفاق الإستراتيجي بين البلدين، أي الاتفاق الذي يربط العراق نهائياً بالفلك الأميركي. والغريب أن أحداً لا يتحدث عن هذا الاتفاق، لا المعارضة العراقية ولا الحكومة ولا الصدر ولا إيران. القوات الأميركية ستنسحب من العراق لكنها باقية!