لبنان نحو السلام    سموه التقى حاكم ولاية إنديانا الأمريكية.. وزير الدفاع ووزير القوات المسلحة الفرنسية يبحثان آفاق التعاون والمستجدات    وزير الدفاع يلتقي حاكم ولاية إنديانا الأمريكية    الأمير سعود بن مشعل يستقبل مندوب تركيا    الثعبان في «مالبينسا»..!    الأنسنة ومأسسة تكريم العمال    الادخار والاستثمار… ثقافة غائبة    بهدف تنمية الكوادر الوطنية المتخصصة.. إطلاق برنامج تدريب المبتعثين في التخصصات الثقافية    شراء الطاقة ل 5 مشروعات    مرحلة الردع المتصاعد    هل تجري الرياح كما تشتهي سفينة ترمب؟    إدانة دولية لقصف الاحتلال مدرسة تابعة للأونروا    ChatGPT يهيمن على عالم الذكاء الاصطناعي    سعادة الآخرين كرم اجتماعي    بيع ساعة أثرية مقابل 2 مليون دولار    (إندونيسيا وشعبية تايسون وكلاي)    الأخضر يواجه إندونيسيا لانتزاع وصافة المجموعة الثالثة    في تصفيات مونديال 2026.. ميسي لتجاوز عناد «بيرو».. والبرازيل تسعى لنقاط أورجواي    أيُّهما أفضل الفصلين الدراسيين أما الثلاثة؟    عودة للمدارس    "التعليم": إلغاء ارتباط الرخصة المهنية بالعلاوة السنوية    التوسع في استخدام أجهزة التحكم المروري للحد من الحوادث    الاختيار الواعي    صنعة بلا منفعة    "التعليم" تشارك في مؤتمر اللغة الصينية    رسالة عظيمة    أصول الصناديق الاستثمارية الوقفية بالمملكة ترتفع إلى مليار ريال    المملكة ومكافحة مضادات الميكروبات !    23.1% نسبة السمنة بين السكان البالغين في السعودية    الاكتناز    البرتقال مدخل لإنقاص الوزن    قسطرة قلبية تنقذ طفلاً يمنياً    أمير حائل يشدد على تسخير الإمكانات لخدمة التعليم    وزير التعليم خلال منتدى مسك العالمي 2024م: منظومة القيم هي أساس النجاح    وزير الخارجية ونظيره السنغافوري يستعرضان العلاقات الثنائية بين البلدين    الأخضر في مهمة استعادة الوصافة    حسام بن سعود يستقبل رئيس جامعة الباحة    وكيل وزارة الثقافة اليمنية ل«عكاظ»: السعودية تشهد نهضة شاملة    1.82 مليون زائرا في معرض الشارقة للكتاب    النعيم يكتب.. إندونيسيا تحدٍ جديد!!    انعقاد الجولة الثانية من المشاورات السياسية السعودية - الصينية    الرياض تجمع أفضل فرسان العالم في قفز الحواجز    أمير تبوك يدشن مشاريع تنموية واستثمارية بالمنطقة بأكثر من نصف مليار ريال    محافظ محايل يرأس اجتماع لجنة السلامة المرورية    سعود بن طلال يطلق كائنات فطرية في متنزه الأحساء    وزير الموارد البشرية: المملكة تقوم بدور ريادي في دعم توجهات مجموعة العشرين حول قضايا العمل والتوظيف    قائد القوات المشتركة يستقبل نائب رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني    قتلى وجرحى في غارة إسرائيلية على وسط لبنان    رئيس هيئة الأركان العامة يدشّن أعمال الملتقى الدولي الأول لضباط الصف القياديين    مكتبة الملك عبدالعزيز العامة تعزز السياحة الثقافية بمشروع وطني طموح    من قمة العشرين.. بايدن يؤكد دعم إدارته القوي لأوكرانيا    " طويق " تدعم شموع الأمل ببرامج تدريبية لمقدمي الخدمات لذوي الإعاقة    علوان رئيساً تنفيذيّاً ل«المسرح والفنون الأدائية».. والواصل رئيساً تنفيذيّاً ل«الأدب والنشر والترجمة»    9300 مستفيد من صندوق النفقة خلال 2024    الكتابة على الجدران.. ظاهرة سلبية يدعو المختصون للبحث عن أسبابها وعلاجها    سماء غائمة جزئيا تتخللها سحب رعدية بعدد من المناطق    خادم الحرمين يستضيف1000 معتمر من 66 دولة    يا ليتني لم أقل لها أفٍ أبداً    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فساد كعكة المصالحة الفلسطينية

يبدو أن كعكة المصالحة الوطنية الفلسطينية، التي مضى على توقيعها في القاهرة أسابيع، فسدت بمرور الزمن ونفاد الصلاحية، فلم تعد صالحة للاستهلاك الآدمي والاستفادة البشرية منها، ولم يعد من العقل والمنطق توقع الفائدة منها، أو استعادة قيمتها التي كانت مرجوة منها، أو خداع الفلسطينيين بأن مدة صلاحيتها لم تنفد، وأن في الإمكان تمديدها أو معالجتها لتبقى صالحة ومفيدة. ولكن الحقيقة التي يجب أن نعترف بها، ولا يمكن أن نتغافل عنها، أن الكعكة قد فسدت وتعفنت وانبعثت منها روائح كريهة عفنة، تزكم الأنوف، وتصدع الرؤوس، وتعافها النفوس، فلم يعد أحدٌ يرغب فيها، أو يأمل في الاستفادة منها، على رغم محاولات بعضهم خداع الفلسطينيين بغير حقيقتها، وإيهامهم بجدواها وقيمتها، وأنها لا تزال صالحة، وقادرة على الصمود وحلّ المشاكل والصعاب وتجاوز العقبات والتحديات. الحقيقة أنها فسدت ولم تجد معها الاحتفالات والأضواء والتصريحات، ولم ينقذها من تعفنها مباركة ملوك وحكام وقادة، ورعاية دول ومنظمات، وتعهدات أجهزة وقيادات، وآمال شعب ومعاناة أهل، ودمعة أم وآهة مريض، وبكاء طفل وأنّة عجوز، على رغم أن غالبية الفلسطينيين استبشروا بها خيراً وبالغوا في أحلامهم وتوقعاتهم (...).
ربما لا يكون مضي الزمن وتجاوز الأحداث وحدهما وراء تعفّن كعكة المصالحة وفسادها، على رغم أنه كلما مرَّ عليها مزيد من الوقت، تأكد فسادها وعفونتها وعدم ملاءمتها، إلا أنه قد تكون هناك أسباب أخرى موضوعية ومنطقية، ولا يمكن إهمالها أو إنكار دورها في فقدان المصالحة لقيمتها، وتجاوزها لوقتها، فلعل الظروف التي صنعت فيها لم تكن مناسبة، والمناخات التي تعرضت لها لم تساعدها على المحافظة على صحتها ونضارتها.
والظروف التي واكبت التوقيع عليها لم تكن صحية أو لم تكن صادقة ومخلصة، فلم يكن يكفي لضمان نجاح المصالحة سقوط نظام، وفقدان مظلة، وغياب نصير، أو الخوف من اضطراب الأوضاع، وفوضى الأوراق، وتغير التحالفات، إذ إنها كلها عوامل خوف وقلق، تدفع الإنسان الى سلوك ما لا يقتنع به، ولا يأمل فيه، ولكن بزوال عوامل الخوف أو بالتعامل معها، يعود الإنسان إلى طبيعته، ويسلك ما اعتاد عليه، وينقلب على ما تبناه في مرحلة خوفه وقلقه، إذ لم يكن خياره الاستراتيجي بقدر ما كان فرض الحاجة، ولزوم ما لا يلزم.
وربما أن صانعي كعكة المصالحة أدخلوا فيها مكونات ونكهات كانت سبباً في سرعة فسادها، وفي عدم صمودها أمام الظروف والمتغيرات، فأدخلوا فيها شروطاً لغيرهم، والتزامات لعدوهم، واعتراضات لغيرهم، فكبّلوا بنود الاتفاق بأغلال جديدة، وضعوا فيها أثقالاً يصعب معها التحرك والانطلاق، ويستحيل منها التحرر والانعتاق، فأبقوا على رموز الفساد، واستبقوا عوامل الخلاف، وأصروا على عدم معالجة الأمراض، واستئصال الأورام، وإجراء عمليات جراحية لما لا يكون علاجه والشفاء منه إلا بإجرائها، فرفضوا العودة من طريق التيه الذي سلكوه، وأعلنوا أنهم ماضون في المنهج ذاته، وأعلنوا أنهم متمسكون بمن رافقهم الطريق، ولازمهم المشوار، وأنهم سيجربونه من جديد، وسيثقون بوعوده وعهوده، ولن ينقلبوا عليه، ولن يقاوموه بالبندقية ولا بالحجارة، وأنهم سيواصلون حمايته من كل من يتربص به شراً، ويسعى لينال من أمنه واستقراره وسلامة شعبه ومستوطنيه. وأكدوا أنهم سيمضون على الطريق ذاته، على رغم أنها لم تورثهم إلا ذلاً وضياعاً وتشتتاً وتمزقاً، ولم تحقق لهم شيئاً مما يأملون وشعبهم، بل أفقدتهم المزيد، وجرّدتهم من جديد.
وربما يعود السبب في فساد كعكة المصالحة وتعفنها، الى أن أطرافاً حصلت على حصتها منها، أخذت ما تريد، وما كانت تخطط للحصول عليه، ثم أفسدت ما تبقى منها وهي حصة الآخرين فيها، فمصر أكدت قدرتها على رعاية الحوار الوطني الفلسطيني، وأثبتت أنها قادرة على أن تلعب دوراً محورياً ورئيساً فيه، وأن تستعيد الدور الذي فقدته، وأنه لا يمكن غيرها أن يقوم مقامها، وأن الفرقاء عادوا إلى ورقتها ووقعوا عليها، واعترفوا بفضلها ومرجعيتها، في الوقت الذي لم تغير فيه مصر شيئاً تجاه سكان قطاع غزة، وعادت لتصغي السمع لنداءات من يطالبها بالتضييق وعدم التخفيف، وباستمرار الحصار وعدم رفعه.
أما السلطة الفلسطينية فقد ظهرت في القاهرة أنها السلطة الفعلية، وأنها ليست طرفاً كالآخرين، فاستفردت بالمنصة والكلمة والأستاذية، وأكدت منهجها ومسارها وسياستها، وأنها المرجع والقائد والممثل، وبيّنت للعالم أنها تمتلك أوراق الملف كله، وأنها ذاهبة إلى نيويورك ومعها أوراق الوحدة الفلسطينية، فهددت الإدارة الأميركية والحكومة الإسرائيلية بأنها قادرة على الاستقواء بورقة الفصائل الفلسطينية، في الوقت الذي وضعت فيه شروطها على الطرف الثالث، وتمسكت على طاولة المفاوضات برؤيتها للمرحلة المقبلة، منهجاً وقيادة، ورفضت التنازل أو القبول بحلول وسط تحقق التوافق والرضا، واستمرت في ممارساتها الأمنية اعتقالاً ومطاردة ومحاكمة وتنسيقاً وتسليماً، وغير ذلك من النقاط التي شكلت في مجموعها عوامل فساد وتعفن كعكة المصالحة.
أما الطرف الثالث المتمثل في حركة «حماس» وحلفائها من الفصائل، فقد قدموا تنازلات كثيرة، وفرطوا في حقوق كانت لهم، وأعطوا كثيراً مما هو في أيديهم لغيرهم، واستعدوا لمشاركتهم في ما هو لهم وحدهم، وصدقوا شريكهم والوسيط، إذ أملوا في المصالحة أن ترفع الحصار المفروض على القطاع، وأن تفتح معبر رفح الحدودي، وأن تخفف من معاناة المواطنين، وأن تلبّي بعض حاجتهم في السفر للعلاج والدراسة والعمل. وأملت أن تعيد إعمار قطاع غزة، وأن تسيل أموال المساعدات العربية والدولية لإعمار ما قد دمره العدوان الإسرائيلي، وأن تعيد الوحدة إلى شطري الشعب في الوطن.
وأملوا أن ترفع سلطة رام الله سطوتها الأمنية عن عناصرها ونشطائها في الضفة الغربية، فتفرج عنهم، وتطلق سراحهم، وأن تتوقف عن اعتقالهم، وأن تعيد فتح جمعياتهم ومؤسساتهم المغلقة، وأن ترفع الحظر عن نشاطهم فيها، وأن تعيد إليهم أموالهم المصادرة، وحساباتهم المالية المجمّدة، ولكن «حماس» وحلفاءها وجدوا أن شركاءهم في الكعكة أخذوا منهم ما يريدون، ثم قاموا بإفساد ما تبقى منها، وحمّلوا الحركة وحدها مسؤولية فساد الكعكة التي يشهد على إفسادهم لها الكثير. ولكن الحقيقة أن الطرفين الآخرين في صناعة الكعكة هما اللذان خططا للوصول إلى هذه النتيجة، فقد حققا ما يريدان، ونفذا ما يأملان، وأبقيا للشعب المسكين المعني الكعكة فاسدة عفنة، لا أمل فيها ولا رجاء.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.