طالعتنا الصحف بخبرين استوقفاني بشدة، الأول عن أب ستيني أعطى تعليمات مشددة لبواب أمن مسكنه في الحي الراقي بعدم السماح لزوجته وأطفاله دخول منزلهم، لأنه ينوي طلاق والدتهم والزواج من آسيوية (فهو قرر) ونفذ بأن الزوجة والأبناء لا يحق لهم الدخول للمنزل، ولا الحصول على ملابسهم ولا حقائب مدرستهم أو جامعاتهم (تبعاً لقراره وتوصياته)، الذي جعل رجال الأمن خارج المجمع السكني والشرطة يقفون موقف المتفرج وعلى المتضررين (اللجوء إلى القضاء)! الخبر الآخر حدث في المدينةالمنورة، حيث اضطرت إحدى الجمعيات الخيرية إلى إيواء الزوجة والأطفال، لأن الزوج بارك الله فيه (طنت في عقله) حرمانهم من منزلهم الذي عاشوا فيه سنوات عمرهم، فهو لا يرغب الآن في وجودهم، وعليه فإنهم مطالبون بتوفير مسكن لهم، وعليه توفير نفقاتهم أيضاً، وعليه فإن لا أحد بإمكانه التدخل لأنه أيضاً شأن شخصي! بالطبع ليس ما سبق غريباً على أسماعنا ولا على المجتمع، الذي ما انفك يحكي ويحكي عن حرصه الشديد على الدرر المكنونة، وعن مدى اهتمامه بها، ونجده اليوم وفي موقفين متقاربين يغسل يديه بسهولة من الموقف ويعهد به إلى الشأن الشخصي! الأسرة (الزوجة والأطفال) ليسوا رهائن إن شاء رب البيت الإفراج عنهم (بحسب مزاجه) سارعنا إلى وصف ما حدث بأنه شأن أسري خاص جداً، مكانه الوحيد المحاكم، وأن القضاء وحده يحل القضية، فلا شرطة تتدخل ولا هيئة تقف إلى جانب المطرودين كنوع من النهي عن المنكر، (أليس بقاء النساء بمفردهن في الشوارع وبجانب الأسوار أمراً ينبغي التوقف عنده)! وعليه أيضاً وبناء على هذا الشأن الشخصي الذي يتنافى مع تعليمات الشرع الخاص بآداب الطلاق وآداب الخصام أيضاً، الغائب في مجتمعنا حتى إشعار آخر، مجتمعنا الذي ما زال حتى اللحظة يعلم الجيل الصاعد حقوق الزوج فقط، ويقوم على استحياء بالتذكير في آخر الدروس بحقوق الزوجة والمطلقة والأبناء على خجل. لو حدث الأمر في الدول الأخرى، التي تؤمن بثقافة حقوق الإنسان بالفعل لسارعت الشرطة والجمعيات الأهلية إلى إدخال الزوجة والأطفال إلى منزلهم، ولمكنتهم من البقاء فيه مع أخذ تعهد على الزوج بالابتعاد عن المنزل 300 م، حتى يحل الخلاف سواء بالطلاق أو بغيره. ولاعتبرت القضية شأناً مجتمعياً يعرّض الزوجة والأولاد إلى مخاطر كبيرة وعنف عظيم، لا يتطلب تقارير طبية بل باعتباره تغييراً بيئياً فجائياً! وبالأمس طالعتنا الصحف أيضاً بزوج يطلق زوجته لأنها أصرت على كتابة بطاقة الصراف الخيرية باسمها، بعدما اختلفا أمام الموظف وصرحت بأحقيتها في البطاقة لأنه لم يصرف عليها، رغم أن بطاقة الصراف الخيرية لا تتعدى قيمتها 200 ريال شهرياً فماذا كان جزاؤها؟ الطلاق فقط. وبالطبع لا يحق لها تبعا للموقف الجديد العودة إلى منزلها لأخذ حاجياتها وأوراقها الثبوتية و خلافه! وقبل فترة أثناء حمى مكائن «سنجر» والزئبق الأحمر الذي اجتاحنا فجأة، قام زوج بطلاق زوجته في السوق الشعبي لأنها رفضت التنازل له عن قيمة (المدعوة سنجر) ولأنه رجل قرر أن يعاقبها بالطلاق ردعاً لها! الأسرة ليست شأناً شخصياً، فالأسرة شأن مجتمعي غير خاضع لمزاج رجل ليس له القدرة على المواجهة المحترمة الراقية، التي تمكن الزوجة من الحصول على كافة حقوقها بصورة سريعة ومحترمة، ولا تعرضها (كدرة مكنونة) إلى البقاء خارج المجمعات، تتوسل رجال الأمن ورجال الشرطة ليقولوا لها إنه (أمر شخصي) وعليها تدبير مكان يؤويها هي وأطفالها، وابتداع طريقة للصرف على نفسها حتى يقول القضاء كلمته! [email protected]